قياس الأداء والمسؤولية عنه

يقول المفكر الأمريكي توم بيترز "ما يمكن قياسه يمكن إنجازه what gets measured gets done هذا المعيار البسيط للأداء يفتقد لدى كثير من المنظمات حيث مقاييس الأداء المعتمدة لديها تزخر بما لا يمكن قياسه، هذا الأمر أفقد عملية تطوير الأداء مضمونها وأهدافها وطريقها.
في هذا العصر تواجه المنظمات الإنتاجية تحديات، تتمثل في تطور قدرات عملائها، الذين باتوا يتوقون لنوعية عالية من السلع والخدمات ومطلعين على خياراتهم وممكنين بالقدرة على الاختيار بين السلع والخدمات المعروضة. وتلك المنظمات أيضا تواجه تحدياً آخر يتمثل في زيادة الوعي لدى موظفيها المتميزين وحاجتهم إلى تميز في المكتسبات التي يحصلون عليها من منظماتهم وإلا تسربوا إلى منظمات أخرى منافسة طلباً لتلك المكتسبات. هذا التحدي مزدوج الاتجاه يجعل تلك المنظمات رهينة لعملية خلق التوازن بين تلك الضغوط من خلال تحسين قدرتها على تعظيم الأداء، الذي لا يأتي ألا من خلال وضع الأدوات والنظم الكفيلة بذلك وفي مقدمتها أدوات القياس. تلك المنظمات إن لم تسع لذلك فهي اليوم غير قادرة على قياس أدائها بصورة جيدة وبالتالي لن تستطيع تحقيق أهدافها، فقصورها الذاتي عن قياس أدائها مرده لانعدام التجانس فيما يراد إنجازه وما يتم قياسه، وقياس الأداء بصورتيه الشاملة للمنظمة والفردية للموظفين يواجه معوقات عدة، منها على سبيل المثال ضعف القدرة على تحديد الأهداف أو عموميتها، حيث تبدو الأهداف طموحات جوفاء من آلية إنجاز فلا يمكن قياسها، وبالتالي يعاني التنفيذيون ترجمة تلك الأهداف إلى خطط عملية ووضعها في صورة مهام متجانسة متضافرة قابلة للتحقيق.
وقد يدافع بعض مسؤولي تلك المنظمات بحجة وجود معايير محددة يمكن من خلالها رسم صورة واضحة عن الأداء الكلي للمنظمة مثل قياس رضا العملاء والربحية والعائد على الاستثمار والدخل المعدل للفرد، لذا نقول إن هذا مقبول إلى حد ما، ومن يتبع معايير قياس حديثة مثلbalanced score card هو أيضا قادر على رسم صورة مقبولة للأداء، ولكن لن يكون بإمكان أولئك المسؤولين وضع رابط مقبول للأداء الكلي للمنظمة والأداء الفردي لأعضائها ما لم يقس فردياً يقاس كلياً، وهذا يفرض على أولئك المسؤولين النظر في نظم وأدوات تقييم الأداء وتنقيتها مما لا يمكن قياسه مثل المعايير المعنوية كالإخلاص والالتزام والجدية والطموح والدأب وغيرها ثم وضع معايير تحقيق أهداف محددة لكل وظيفة، وهذا يقتضي ابتداء وضع منظومة للأهداف الاستراتيجية والتكتيكية وصياغة علاقة تخطيطية بين الأهداف والموارد، بمعنى أن تكون الميزانية التخطيطية شاملة توظيف جميع الموارد وبكيفية تضمن الاستخدام الأمثل للموارد.
بعد أن تصل المنظمة إلى آلية لتخطيط أدائها وقياس إنجازه أرى أن يتم اعتماد آلية لتمكين المسؤولية من أعضاء المنظمة، ويكون ذلك بخلق توازن بين البيئة الخارجية للمنظمة التي تتسم بعدم الاستقرار نظراً لنشاطات المنافسين والعملاء وجهات التقنين، فلا يستقيم تفاعل المنظمة المستقرة مع بيئتها التي على ذلك النحو، لذا لا بد أن يكون لدى المنظمة ديناميكية تعتمد المسؤولية كمحرك للإبداع والإنجاز، لذا أقترح أن تعتمد المنظمة تنظيما يحدد لكل وظيفة من وظائف الإدارة والإشراف حداً زمنياً لشغل الوظيفة Job tenure كأن يكون مثلاً لمدير إدارة حد أدنى لشغل الوظيفة مقداره أربع سنوات وحد أقصى مقداره ست سنوات بحيث لا يبقى الموظف في الوظيفة أكثر من الحد الأقصى، فإن لم يكن جاهزا لتولي وظيفة أعلى عليه أن يترك المنظمة فالمنظمة مطالبة باستمرار بتحسين قدرات أعضائها وإبقاء القادرين على تحقيق أهدافها، وعند وضع ذلك التنظيم يؤخذ في الاعتبار أن الموظف المتميز نظرياً يستطيع أن ينتقل من أدنى الهرم الإشرافي إلى أعلى وظيفة في المنظمة خلال 25 سنة كحد أقصى.
أن هذا التفكير سيقود المنظمات إلى أن تتفاعل بصورة آنية مع التغيرات التي تطرأ على بيئتها الخارجية وستجعلها أقدر على البقاء والتميز وبالحال نفسه سيتطور مفهوم الإنجاز لدى الموظفين وسيشعرون بالضغوط المباشرة والحاجة إلى المنافسة في سبيل تطوير أدائهم وتحسين قدراتهم الإدارية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي