بين الصدق والبر . . ضاعت الطاسة

مساجلات إعلانية وبيانات صحافية وضجة إعلامية وحديث لا يخلو منه مجلس، كلها حول القرض الحسن من جمعية البر في جدة إلى الشركة المساهمة "صدق"، الحقيقة المرة أو الحلوة معلومة لدى الطرفين فقط، فقد نشرت جمعية البر بيانا لها وردت الشركة بإعلان حول حقيقة هذا القرض "الحسن"، والمعلومات الواردة في الاثنين معلومات متضاربة ومتشابكة لا أستطيع الجزم بصحة أي منها ولكن من الواضح أنها مختلفة إلى حد التضاد.
انهالت مجموعة مقالات إضافة إلى عديد من الأخبار حول القرض الحسن، وتبع هذه المقالات عشرات التعليقات على الإنترنت، غالبية ما نشر يطعن في ذمة مجلس إدارة جمعية البر، ويذم إدارة الجمعية، وقد أجد العذر لكثير من هذه التعليقات، فالموضوع يثير شهية أي كاتب، ويستلذ به أي محرش، وهو مادة صحافية ذات طعم خاص لأي صحافي أو محقق.
لماذا؟ ليس لسبب واحد وإنما هي حزمة من الأسباب يكفي منها أنها قرض حسن لمدة خمس سنوات من جمعية خيرية إلى شركة مساهمة!! والشركة تؤكد في تقاريرها السنوية أنه قرض حسن!! والجمعية تصدر بيانا بأنه لا وجود للقرض الحسن وتصرح بأن العملية إنما هي صفقة استثمارية حقيقتها شراء أسهم بالوكالة!! وتصرح الشركة بأنها تتحفظ على اتفاق بيع الحصص!! وأخيراً وليس آخراً يظهر أن رئيس مجلس الإدارة للشركة وللجمعية شخص واحد وقت إبرام الاتفاقيات!!
أسئلة كثيرة تفرض نفسها على هذا المقال، فكيف توقع الشركة والجمعية اتفاقية قرض حسن ولمصلحة مَن؟ وكيف تقوم الشركة بالاكتتاب في شركة مساهمة تحت التأسيس وكالة عن الغير دون تحقيق أي مصلحة لها؟ وكيف تقوم الجمعية بتوقيع اتفاقية للاستثمار ولا تظهرها تقاريرها المحاسبية؟ وكيف تتورط الشركة والجمعية في استثمارات غير نظامية للطرفين؟ وكيف يتم إجراء الاستثمار غير النظامي بموافقة وبمباركة من وزارة الشؤون الاجتماعية التي حضرت الجمعية العمومية حسب بيان الجمعية؟ وكيف يتم ذلك قبل أربع سنوات ولا يظهر في التقارير المحاسبية للمحاسب القانوني للجمعية؟
هناك جملة من المخالفات الرئيسية تبرز في هذه القضية، فالممارسة التي تمت باستثمار شركة صدق بالاكتتاب في شركة ينساب لصالح جمعية البر تعد مخالفة صريحة لنظام الشركات، ولقواعد السوق المالية، وللأعراف، وللقواعد المحاسبية المتعارف عليها، كما أن هذه الممارسة تضرب بعرض الحائط جميع قواعد الشفافية خاصة لجمعية البر!!
لست ضد حق الجمعية في المطالبة بحقوقها، ولكني ضد أن تأخذ ما ليس لها، كما أنني لست ضد الشركة ولكنني ضد الممارسات التي تشوه صورة السوق المالية، أو التي تحرم مساهمي الشركة من حقهم في أسهم "ينساب"، وأعتقد أن هناك تساؤلات لن يجيب عنها إلا من شهد تلك الاتفاقيات، ومن أهم هؤلاء المدير العام ورئيس مجلس الإدارة للشركة وللجمعية وقت إبرام الاتفاقيات، إضافة إلى مراقبي الحسابات لجمعية البر، ومندوب وزارة الشؤون الاجتماعية الذي حضر اجتماع الجمعية العمومية الذي تمت الموافقة فيه على هذا الاستثمار وبتلك الصيغة.
سؤال آخر مهم .. وهو من المتضرر؟ لا شك في أن الأمر إذا أخذ على أنه "قرض حسن" فهو من صالح الشركة المساهمة والمتضرر الجمعية، ومن الساذج الذي لا يرغب في قرض حسن وبثمانية ملايين ريال ولمدة خمس سنوات!! أما إذا كان الأمر على أساس أنه استثمار تقوم الشركة بالاكتتاب به في شركة مثل شركة ينساب، خاصة أنها أسهم تأسيس بالقيمة الاسمية، فإن الأمر برمته لصالح الجمعية والمتضرر منه مساهمو الشركة، حيث أفقدتهم تلك المساهمة فرصتهم في المساهمة بذلك السعر المغري في شركة مثل ينساب وبالتالي تحقيق تلك المكاسب!!
السؤال الأخير في هذه القضية، تخيلوا معي لو أن مجلس إدارة الشركة الذي أبرم هذه الاتفاقيات ما زال هو المجلس الذي يدير الشركة، فهل كانت هذه القضية ستطفو على السطح؟ لا يخالجني شك في أنه لن يعرف بها أحد (ولا الذباب الأزرق)، وهذا أحد أبرز النتائج الإيجابية للتغيير.
يظهر لي في الأفق أن الأمر لن يحسم إلا في أروقة المحاكم، وكأنني أتصور السيناريو الذي سيحدث وأستشرفه من الآن، حيث ستقوم شركة صدق بتاريخ حلول تاريخ الوفاء بالقرض الحسن بتحرير شيك باسم الجمعية، وسترفض الجمعية قبوله، إذ إنها ترى أن القرض الحسن تمت المساهمة بقيمته لصالحها في شركة ينساب، حيث إن الريال أصبح يساوي أكثر من الضعف، وبالتالي فالقيمة الفعلية لهذا القرض "المساهمة" تحولت من ثمانية ملايين إلى ما يزيد على 21 مليون ريال، وبالتالي ستلجأ للقضاء لتحويل ملكية هذه الأسهم إليها!!
في رأيي - وكما يقول المثل "العاقل خصيم نفسه" - أن تقوم كلتا الجهتين بتسوية القضية داخل الأروقة المهنية، سواء بوساطة من الغرفة التجارية في مدينة جدة، أو بالتحكيم التجاري، حيث إن القضية استثنائية في نوعها ومختلفة من حيث هيكلتها، وموضوع القضاء والمحاكم سيكون له من التبعات مما قد يتضرر منه الجميع، وخاصة في تأخير نظر القضية الذي قد يطول خمس سنوات أخرى، تتمتع فيها الشركة بالقرض الحسن لمدة إضافية، أو تنخفض فيها قيمة أسهم "ينساب" مما يجعل من الفرصة نقمة، وستصرف الجمعية والشركة مئات الألوف أعتقد أن فقراء الجمعية ومساهمي الشركة أولى بها.

النتيجة المهمة في نظري أن الجمعية بريئة من التهم التي وجهت إليها، فالقضية ليست خيانة أمانة وليست منافع شخصية، ولا تفريط في أموال الجمعية، ولا ينفي هذا سوء التصرف والمخالفة الواضحة للأنظمة من قبل إدارة الجمعية والشركة وقت إبرام الاتفاقيات.
الأهم في نظري أن تنظر القضية بأسرع وقت وتحسم بأسرع فرصة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي