كيف يدعم قطاع النقل ترشيد استهلاك الوقود؟

كيف يدعم قطاع النقل ترشيد استهلاك الوقود؟
كيف يدعم قطاع النقل ترشيد استهلاك الوقود؟
كيف يدعم قطاع النقل ترشيد استهلاك الوقود؟

لا خيار سوى السيارات ومزيد من الاستهلاك

في الحلقة الثالثة عشرة (الأخيرة) من ملف الشهر، يطرح اقتصاديون وأكاديميون وجهة نظرهم حيال ترشيد استهلاك المنتجات النفطية في السعودية، معتبرين أن الوضع الحالي للنقل العام في المملكة لا يؤهل لبرامج الترشيد تحت أي ظرف، فالنقل داخل المدن وبين المناطق يعتمد إلى حد كبير على السيارات الخاصة أو قطاع الإيجار، وباستثناء حافلات النقل الجامعي التي لا تغطي جميع المدن لا يوجد نقلا بديلا، هذا مع مراعاة أنه لا يمكن للجميع التنقل في الداخل بالطيران. يتساءل الاقتصاديون عن شبكة للقطارات بين المناطق و"مترو" داخل المدن وسيارات أجرة أكثر تنظيما وتخصص لها مواقع محددة داخل المدن ليتسنى لأكبر عدد من المواطنين والمقيمين استخدامها بدل سياراتهم الخاصة. لكنهم يتفقون أيضا أن الهدر في استهلاك الوقود يمثل قلقا اقتصاديا كبيرا.

اتفق متخصصان سعوديان في النقل العام والاقتصاد على أن غياب البدائل الملائمة للنقل في المملكة ساهم بصورة كبيرة في رفع مستوى استهلاك المملكة من الوقود، مشيرين في هذا الصدد إلى نسبة اعتماد النقل الخاص للأفراد والبضائع مرتفعة جدا قياسا بباقي دول العالم.

وقال المتخصصان إن الدراسات العلمية تؤكد أن استخدام القطارات والحافلات العامة لنقل الركاب والبضائع بين المدن وداخلها يوفر كميات هائلة من الوقود.

#3#

وهنا قال الدكتور سامي بن عبد الله الدبيخي أستاذ تخطيط النقل العام المساعد في جامعة الملك سعود، إن قطاع النقل يستهلك 30 في المائة من مصادر الطاقة العالمية (نفطية، فحم) ويستهلك نحو 60 في المائة من الطاقة البترولية السائلة.

وأكد الدبيخي أن الدراسات الاستراتيجية العالمية تركز على ترشيد استهلاك الوقود بالاعتماد على وسائل أخرى للتنقل على مستوى المدينة، كالمشي، والدراجات، ثم النقل العام الأكثر استدامة من المركبة الخاصة والأقل استهلاكا للطاقة.

وأشار أستاذ تخطيط النقل العام، إلى أن الدراسات العالمية تشير إلى أن المركبات الخاصة على مستوى الفرد أكثر استهلاكاً للوقود بمقدار خمس مرات مقارنة بالقطارات، ومرتين مقارنة بالحافلات في المدن الأفقية المشابهة للمدن السعودية، أما في وضع المدن ذات الكثافات العالية فيرتفع معدل الاستهلاك إلى عشر مرات مقارنة بالقطارات ونحو أربع مرات مقارنة بالحافلات (باصات).

وتابع: توضح الدراسات أن القطارات بجميع أنواعها أقل استهلاكاً للطاقة من الحافلات بمقدار مرتين ونصف، ويعود ذلك إلى السرعة والسعة والمقدرة على جذب التطوير العمراني ومستخدمي المركبة الخاصة وإمكانية الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة.

ولفت الدبيخي إلى أن الدراسات الحديثة لمدينة الرياض تشير إلى أن تملك السيارة الخاصة للعائلات تضاعف مرتين ونصف عما كان عليه قبل أربع عقود، حيث حالياً نصف العائلات السعودية في الرياض تمتلك سيارة، وربع العائلات سيارتين، والبقية ثلاث سيارات، والسبب في ذلك يعود لأسباب اقتصادية واجتماعية وتقنية وسياسات تخطيطية عمرانية.

وأبان أستاذ تخطيط النقل العام، أن الرياض في الوقت الحالي تحتضن نحو مليون سيارة في شوارعها، بينما كانت أعدادها تقدر بنحو 30 ألف سيارة قبل نحو 40 سنة، مشيرا إلى أن معدل تملك السيارة على مستوى المجتمع يعتبر منخفض في الرياض عند مقارنته عالمياً بمدن مشابهة للرياض من حيث القدرة على تملك السيارة وشكل المدينة العمراني، حيث يبلغ في الرياض 224 سيارة لكل ألف شخص، بينما 600 سيارة لكل ألف شخص في أمريكا، و500 في أستراليا، و524 في كندا، و390 في أوروبا.

ووفقا للدبيخي فإن الدراسات أرجعت انخفاض هذا المعدل إلى التركيبة السكانية لسكان الرياض (الغالبية أقل من 18 عاما ونساء) وحجم الأسرة السعودية (6 أشخاص للعائلة مقارنة بـ 2,2 شخص في الدول الغربية)، ورغم ذلك فاستخدام المركبة الخاصة في التنقل مرتفع جدا بلغ 92 في المائة، لعدم وجود نقل عام يعتمد عليه ويوفر خدمة وشبكة متكاملة بتقاطر منتظم وهذا وللأسف وضع بقية المدن السعودية.

وأضاف أستاذ تخطيط النقل العام: مع النمو السكاني المتوقع في المملكة تعتبر الاعتبارات السكانية والاجتماعية لتوفير نقل عام فعال أكثر إلحاحا من الاعتبارات البيئية والاقتصادية والتي تحظى باهتمام كبير في الغرب، والسبب الرئيس أن السعودية دولة مصدرة للنفط، ولكن في ظل الاعتماد الكبير على المركبة الخاصة والإفراط في استخدام الوقود الذي بدوره يؤدي حالياً إلى الاستيراد بدل التصدير للمشتقات النفطية المكررة، فالأجدر اقتصادياً إيجاد نقل عام ناجح للمدن السعودية، ولاسيما أن النقل العام اليوم أصبح مكسبا وطنيا قادرا على تخليص المدن السعودية من العديد من المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية، وتوفير التنقل الذي تعجز عنه المركبة في العديد من الأحيان لشريحة كبيرة من المجتمع (كبار السن، المعوقون، الأطفال، النساء)، والأماكن في المدينة (وسط المدينة، أماكن العمل في المناطق المزدحمة)، إضافة إلى هدفه الرئيس في تقليل الاعتماد على المركبة الخاصة وتخفيف الاختناقات المرورية المكلفة اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً.

وبين الدبيخي أن تجارب العديد من المدن العالمية خلال العقود الثلاثة الماضية، شاهد قوي على أن النقل العام قادر على منافسة المركبة الخاصة وتقديم الخدمة الناجحة، رغم التوسع الأفقي للمدن والتأخر في تطويره.

وأظهرت نتائج الدراسات للتجارب العالمية أن نجاح تلك المدن لم يكمن فقط في تشييد مشاريع نقل عام ضخمة معتمدة على التكنولوجيا ولا في محاولاتها لتغيير شكل تخطيط المدينة، ورفع الكثافات العمرانية، بل اعتمد النجاح أيضا على تبني تلك المدن لاستراتيجية أولوية الاستثمار في النقل العام ودعمه، وتوظيف وسائط نقل عام متعددة ومتكاملة (قطارات كهربائية وحافلات)، لتوفير شبكة ذات مقاصد متعددة تغطي كامل أجزاء المدينة من حيث الوجهة والوقت، ولن يتحقق ذلك إلا بالتركيز على البناء المؤسسي بإنشاء هيئة نقل عام مركزية على مستوى المدينة ومتكاملة مع هيئة التخطيط الحضري.

وبحسب الدبيخي فإن المدن السعودية الكبرى والرياض على وجه الخصوص، مازالت لديها الفرصة لتقديم حل فعال لتسهيل تنقل جميع شرائح المجتمع، ومعالجة مشكلة الاعتماد المفرط على المركبة الخاصة والوقود، من خلال الاستثمار في النقل العام بتغطية جميع تكلفة تشييد المشروع، والمساهمة بمنح سنوية لتغطية العجز التشغيلي من خلال عوائد زيادة تكلفة الوقود للمركبات الخاصة، وأجرة مواقف السيارات.

وقال "رغم أن الدعم الحكومي والمخططات الهيكلية أدارت ظهرها كثيراً للنقل العام، إلا أن الوقت لم يفت للاستثمار فيه كبديل للتنقل على المستويين المحلي والإقليمي، حيث وباستعراض إحدى أبرز التجارب العالمية الناجحة والمقاربة للمدن السعودية من حيث الاعتماد على المركبة الخاصة والكثافة العمرانية المنخفضة والتمدد الأفقي للمدينة، وعجز الطرق السريعة، رغم ضخامتها وكثرتها عن حمل الحركة المرورية خلال ساعات الذروة، تقف مدينة لوس أنجلس الأمريكية على رأس المدن المرشحة للتأمل واستخلاص الدروس، فقد أدارت لوس أنجلس ظهرها عقوداً من الزمن للنقل العام، كما نحن عليه اليوم وبقيت إلى 1990 من دون قطارات كهربائية خفيفة، ولكن تداركت الوضع ووضعت رؤية واعية واستثمرت من جديد بمنظومة متكاملة من وسائط النقل العام لتخفيف الاعتماد على المركبة الخاصة، ومنذ 1990 وحتى العام الماضي شيدت المدينة قطار أنفاق بطول 26 كم يخدم 138 ألف راكب في اليوم وبتكلفة 26 مليون دولار أمريكي للكيلو متر الواحد، وكذلك ثلاثة خطوط قطارات كهربائية على سطح الأرض بطول 90 كم (22مليون/كم)، ويقل 137 ألف راكب في اليوم، وأيضاً شبكة قطار إقليمي على مستوى المنطقة يربط كامل الإقليم ويضم سبعة خطوط بطول 824 كم ( 1,3مليون/كم)، ويخدم 42 ألف راكب في اليوم، وبذلك يستخدم النقل العام يوميا في المنطقة الحضرية لمدينة لوس أنجلس 317 ألف راكب.

وتؤكد هذه التجربة بأن إشكالية النقل لدينا ليست إلا إغداقا على الطرق وتقتيراً على النقل العام.

وبين الدبيخي أن قطاع النقل في المملكة حاليا بحاجة إلى تفعيل بديل حقيقي للتنقل يتمثل ومن دون منازع في الاستثمار في النقل العام، وعدم الاقتصار على دعم الطرق وحدها، حيث لم يعد الإنفاق الضخم على مشاريع الطرق خلال العقود الثلاثة الماضية، هو الحل المفضل للمدن الطامحة إلى ترشيد استهلاك الوقود، وتحقيق التنمية المستدامة، وتوفير التنقل لجميع شرائح المجتمع، بل أصبح الشروع بالاستثمار في النقل العام بعد الانزلاق لعقود من الزمن في تشييد الطرق وحدها يأخذ الأولوية في الدعم والاهتمام الحكومي للعديد من المدن العالمية مثل: واشنطن، أوتاوا، فانكوفر، بيرث، كوراتيبا، كوالالمبور، طهران، القاهرة، دبي وغيرها.

وأوضح أنه ومنذ السبعينيات الميلادية تصاعدت عالمياً قضية اعتبار الاعتماد على المركبة الخاصة مدمرا للبيئة ومهددا لاحتياطي النفط، وشرعت المدن السعودية منذ الخمسينيات الميلادية بالاعتماد على المركبة الخاصة في التنقلات، ولكن الطفرة الاقتصادية في السبعينيات الميلادية عززت هذا التوجه، معتبرا أن وسائل نقل البضائع والركاب عالميا المستهلك الأكبر لمصادر الطاقة والمسبب الرئيس للتلوث والتأثير في طبقة الأوزون وصحة الإنسان.

#2#

من جهته، قال الدكتور عبد الرحمن السلطان (اقتصادي)، إن الدولة ستجد صعوبة كبيرة جدا في اتخاذ قرار زيادة أسعار الوقود، لكنه أكد على ضرورة حساب الدولة الإيراد الإضافي، وبالتالي إعادته إلى أكبر شريحة ممكنة من المجتمع على سبيل المثال (الطلاب والمتقاعدين ونحوهما).

وأشار السلطان إلى أن معدلات استهلاك الوقود يتزايد يوما بعد يوم، ولاسيما أن الطاقة في المملكة رخيصة بشكل مبالغ فيه، مشيرا إلى أن رفع أسعار الوقود يتطلب أسلوبا لتعويض المواطن.

وقال"المطلوب رفع أسعار البنزين بشكل كبير، وأن لا يكون ذلك مقصورا على سوء الاستهلاك، كما يجب إعادة النظر في سوء استخدام النفط الخام لتوليد الطاقة الكهربائية".
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن نسبة استهلاك الوقود السنوية ترتفع بنسبة 7 في المائة، وبالتالي يتطلب الأمر أهمية أن يكون هناك حلا يهدف بشكل رئيس إلى ترشيد الاستهلاك. وتابع: "انخفاض استهلاك الطاقة يجب أن يقابله عدم تضرر شريحة كبيرة من المواطنين".

الأكثر قراءة