مؤسساتنا العربية بين الإبداع والتقليد..!

يقول أينشتين عالم الفيزياء: "إنّ التخيّل أهم من المعرفة؛ لأنّ المعرفة محدودة، أمّا التخيّل فيمكن أنْ يشمل العالم بأكمله".
التخيّل هو البداية الشرعية للإبداع، والإبداع كلمة تحمل معاني جميلة ومثيرة، عندما نذكر الإبداع فنحن نتحدث عن الخروج عن المألوف، رفض السير في فلك التقليد، فكّ القيود.
أنْ يبدع المرء يعني أنّه لا يعترف بالمستحيل ويسعى في البحث عن الجديد؛ يعني أنّه يرفض الانسياق خلف المعقول، والمنطق والبديهي، والطبيعي. أنْ يبدع المرء يعني أنّه يتيقّن أنّ سعادته في تمكّنه من صناعة واقع جديد، وكما يبدع الفرد تبدع المؤسسة، وأنْ تبدع المؤسسة فهذا يعني أنّ جميع أو معظم العاملين فيها في كافة المستويات يدركون أنّ قيادة التغيير أعظم بكثير من الانقياد إليه.
في مؤسساتنا العربية ما زالت روح التقليد هي السائدة. ما زالت معظم مؤسساتنا العربية تزاول أنشطتها بشكل تقليدي. والناجحة منها هي في الواقع مقلِّدة لنظيراتها من المؤسسات الأجنبية. الأساليب المشهورة في الإنتاج والتسويق مستوردة، النظم الإداريّة منقولة، حتى أشهر الشعارات المستخدمة والدارجة في دنيا المؤسسات وعالم الأعمال لم تنبع منّا. الواقع يقول: إنّ أزمة الإبداع تسير جنباً إلى جنب مع أزمة التعليم، فالعاملون في المؤسسات بمختلف مستوياتهم ووظائفهم قد تلقوا تعليمهم أو تلقينهم بمعنى أصح في ظل مناهج لا تحث على الإبداع بقدر ما تحثّ على الالتزام بالمقررات، فالمعلم يفتقد القدرة على الإبداع، ومن ثَمّ فالمتعلم لن يكتسبها بسهولة، المناخ بالكامل ليس مناخ إبداع، والمبدعون يتلاشون شيئاً فشيئاً، أزمة الإبداع تستمر على مستوى المؤسسات، فالموظّف المبدع خرج ولم يعد، وكيف يبدع ونحن ما زلنا نتمسك بمفهوم الموظّف شكلاً ومعنى، فهو موظّف لأنّه يتم توظيفه في أداء مهام معينة وتحقيق أهداف محددة، موظف أيضاً كي ينفذ ما هو مطلوب منه، وليس ما يرغب هو في تحقيقه، والمدير على الرغم من أنّه يفترض أنْ يدير إلا أنّه في الواقع مُدَار في الغالب بواسطة العادات، والأنظمة، والعرف المؤسسي، وقوانين تنظيم العمل في المؤسسة. حتى الاختبارات التي تُعْقَد لاختيار موظّّفين جُدد لا تحوى ما يمكن من خلاله قياس قدرة المُتقدّم للوظيفة على الإبداع، المبدع لا ثمن له ولا وزن في مؤسساتنا العربية، هذه حقيقة، ربما ينظرون إليه باعتباره إنساناً غير واقعي، خيالياً، يرغب في لفت الأنظار إليه، وفى الغالب قد يتم التعامل بطريقة سيئة قد تصل إلى حد العداء.
أحد معوقات الإبداع الرئيسية في مؤسساتنا العربية تتعلق بعدم وجود الشخص المناسب في المكان المناسب، وكيف يبدع شخص يؤدي عمله مرغماً أو يعمل فقط من أجل لقمة العيش؟ كيف يبدع شخص تلقى تعليماً لم يرغبه، ومارس تخصصاً لم يطلبه؟ ولكن لماذا الآن نتحدث عن الإبداع؟ نتحدث عن الإبداع لأنّ المؤسسات أصبحت تعمل في ظل بيئة اقتصاديّة جديدة، هناك مشكلات غير تقليديّة، وهناك تحديات غير معتادة، وهناك نظم عمل جديدة بدأت تفرض نفسها في دنيا الصناعة والأعمال والتجارة. هناك أسواقٌ جديدة، ومستهلكون اكتسبوا طبيعة عصرية مختلفة عن ذي قبل، التعامل مع المشكلات، ومواجهة التحديات، واختراق الأسواق الجديدة، وإشباع احتياجات المستهلكين الجدد يستلزم توافر العقلية المبدعة التي تسعد بالتحليق بعيداً عن الأجواء التقليدية والمكررة. تلك العقليّة التي لا تكف عن طرح المبادرات الجديدة والإيمان بأنّه في الإمكان دائماً أفضل مما كان، نريد مديراً يحلّق بعيداً عندما يعطى مرونة لموظّفيه، ونريد موظّفاً يحلّق بعيداً وهو يخرج من عباءته التقليدية، ويسعى إلى تقديم الجديد دائماً، نريد لكلّ مؤسسة عربية أنْ تحلّق بعيداً وهي تقدّم مخرجات ذات قيمة لمجتمعها، وأخيراً نريد للمجتمع أن يحلّق بعيداً وهو يسعى إلى تأسيس مكانة في عالم أصبح يقدّر تماماً مَن يحلّق بعيداً.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي