اجتماع "أوبك" : هل هناك أي مفاجآت؟

يجتمع وزارء المقبل "أوبك" في فيينا لبحث التقارير التي أعدتها لجان "أوبك" ثم اتخاذ قرار يحدد مستويات الإنتاج في فترة الصيف. خلافات ماقبل الاجتماع والتصريحات المتناقضة ليست بجديدة وأصبحت أسطوانة مكررة: دول تريد تخفيض الإنتاج، وأخرى لا ترى ذلك. رغم كل الخلافات، سيتم الاتفاق بالإجماع على قرار ما، وسيخرج، كالعادة، بعض الوزراء، ويعارضون القرار، رغم أنهم وافقوا عليه. وتشير عديد من الدلائل إلى أن اجتماع اليوم لن يتخلله أي مفاجآت، وأن "أوبك" ستؤخر أي قرار يتعلق بالإنتاج حتى اجتماعها المقبل، عندما ينقشع الضباب عن الاقتصاد العالمي وتصبح الرؤية أكثر وضوحاً، علما بأن "أوبك" لجأت إلى أسلوب المفاجآت في الماضي، ولكن يكون الأمر مستغرباً إذا فاجأت الأسواق بقرار غير متوقع.

مسوغات عدم تخفيض الإنتاج
هناك أسباب عديدة ترجح عدم قيام "أوبك" باتخاذ قرار بتخفيض الإنتاج في اجتماعها اليوم، خاصة إذا افترضنا أن الأرقام التي تنشرها "أوبك" في تقاريرها الشهرية هي الأرقام نفسها التي تستخدمها لجان "أوبك"، وهي نفسها التي تعرض على الوزراء. وهذه بعض الأسباب:
1. توضح توقعات "أوبك" لبقية عام 2009 أن انخفاض المعروض سيكون أكبر من انخفاض الطلب، وأن الطلب سيكون أكبر من العرض في النصف الثاني من العام الحالي. وسينتج عن ذلك انخفاض المخزون التجاري في الدول المستهلكة، وبالتالي ارتفاع أسعار النفط. وبما أن "أوبك" لم تنته من إعداد تقديراتها للطلب على النفط عام 2010 بعد، فإنه من المنطقي أن يؤجل أي قرار يتعلق بالإنتاج إلى الاجتماع المقبل. ويبدو من أرقام "أوبك" عام 2009 أنه حتى لو استمر الكساد حتى عام 2010 فإن أسعار النفط سترتفع، لأننا حتى لو افترضنا أن الطلب على النفط في الربع الأول من عام 2010 يساوي ما كان عليه الطلب في الربع الأول من عام 2009، فإن عدد الأيام التي يغطي فيها المخزون الطلب على النفط سينخفض بمقدر سبعة أيام، ولكن إذا تحسن الاقتصاد العالمي فإن المخزون، ممثلا بعدد الأيام التي يغطي فيها الطلب في المرحلة المقبلة، سينخفض بشكل كبير، وسترتفع الأسعار بشكل ملحوظ.
2. عادة مايزيد الطلب على النفط في فصل الصيف مقارنة بفصل الربيع، حتى في فترات الكساد، لذلك لاحاجة لتخفيض الإنتاج.
3. إن أي قرار لتخفيض الإنتاج فوق ما تم الاتفاق عليه سابقا لن يترجم في أرض الواقع إلى تخفيض حقيقي لأسباب اقتصادية وسياسية وفنية.
4. إذا كانت "أوبك" راغبة فعلا في تخفيض الإنتاج، فإن كل ماعليها هو إجبار الدول التي تتجاوز حصصها الإنتاج بالإلتزام بحصصها، الأمر الذي يرجح أيضاً عدم تخفيض الإنتاج.
5. ارتفاع الأسعار في الفترات الأخيرة يعزز فكرة إبقاء الإنتاج على حاله. وفي الوقت الذي يرى فيه بعض الوزراء أن ارتفاع الأسعار يعود إلى جهود بعض دول أوبك في تخفيض الإنتاج، يرى آخرون أن هناك ضرورة لتخفيض الإنتاج مرة أخرى، لأن الارتفاع الأخير يعود إلى المضاربات وليس إلى أساسيات السوق. إلا أن ما ذكر في الفقرة الأولى يعزز الرأي الأول، وينقض الرأي الثاني.
6. الأسعار الحالية أعلى من أغلب الأسعار التي بنيت عليها موازنات دول أوبك، الأمر الذي يعني أن استمرارها سينتج عنه فوائض مالية في نهاية العام المالي، وسيخفف من الضغوط لتخفيض الإنتاج ورفع الأسعار.
7. إذا كانت هناك حاجة ماسة لتخفيض الإنتاج لمنع الأسعار من الانخفاض فإن "أوبك" في مأزق سياسي واقتصادي كبير، لأن الحاجة إلى تخفيض الإنتاج تعني أن الطلب على النفط مازال في انخفاض، وهذا يعني بالضرورة أن الاقتصاد العالمي مازال يتقهقر للوراء، وأن أي رفع لأسعار النفط سيؤخر الانتعاش، وسيجعل الأمور أكثر سوءا. من هذا المنطلق فإن الحل الأمثل هو إبقاء إنتاج "أوبك" على حاله.
المشكلة الحقيقية التي قد تواجه "أوبك" هي أن يكون انخفاض الطلب أكبر مما توقعته المنظمة، فـ "أوبك" تتوقع انخفاض الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.6 مليون برميل يوميا، بينما ترى وكالة الطاقة الدولية أنه سينخفض بمقدار 2.4 مليون برميل يوميا. ماذا لو كان توقع "أوبك" خاطئاً وتوقع الوكالة صحيحاً، علما أن عدة مؤسسات مالية عالمية تتوقع هبوط الطلب بأكثر مما تتوقعه الوكالة. لقد فشلت توقعات "أوبك" والوكالة عدة مرات في الماضي، ومن الصعب الاعتماد على سجل أي منهما في التوقعات لتأييد توقع أحدهما. وإذا حاولنا استخدام بعض المعايير الأخرى فإنها لن تساعد كثيراً. مثلا، إذا اعتمدنا على العلاقة التاريخية بين معدلات نمو الاقتصاد العالمي والطلب على النفط، فإن هذه العلاقة ترجح توقعات "أوبك"، ولكن إذا نظرنا إلى نمو كل قطاع اقتصادي على حدة لوجدنا أن القطاع الصناعي تأثر أكثر من القطاع الخدمي، والقطاع الصناعي أكثر اعتمادا على النفط من القطاع الخدمي، الأمر الذي يؤيد توقع وكالة الطاقة أكثر من توقع "أوبك".
بغض النظر عن هذه الخلافات، فإنه من الواضح أن انخفاض الإنتاج وانخفاض الاستثمار في صناعة النفط وارتفاع معدلات النضوب سيخفض المعروض بشكل يصبح في الطلب أكبر من العرض، الأمر الذي سيخفض المخزون، وسينعش الأسعار، ولكن هذه التطورات لن تحدث بشكل مؤكد إلا عام 2010.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي