انسحاب الإمارت لها وليس عليها

انسحاب الإمارات من الاتحاد النقدي الخليجي يذكرنا بانسحاب بريطانيا من الوحدة النقدية الأوروبية لأسباب ادعت وقتها بريطانيا أن لديها خمسة أساسيات يجب أن تتحقق قبل انضمامها إلى الاتحاد النقدي الأوروبي. وكان ذلك هو الشعار المعلن، لكن حقيقة عدم انضمام بريطانيا تعود إلى أنها كانت ترغب في أن تكون صناعة قرار المال من العاصمة البريطانية (لندن)، حيث إن مقر البنك المركزي الأوروبي كان محل خلاف بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وبخروج بريطانيا، أصبح التنافس بين فرنسا وألمانيا الذي فازت به الأخيرة نظير كبر حجم اقتصادها بالنسبة إلى أوروبا وبالنسبة إلى الاقتصاد العالمي.

اليوم تعود القصة نفسها بالنسبة إلى دول الخليج، التي اتخذت من الوحدة النقدية الأوروبية نموذجاً، وهي تحذو حذوها حتى في الاختلافات. ورغم كل هذه الاختلافات، فإن الاتحاد النقدي الأوروبي مضى قدماً، وأصدر عملته التي أصبحت تتداول كعملة احتياط هي الثانية عالمياً بعد الدولار. وحقق البنك المركزي الأوروبي نجاحات تعد أكثر حصافة من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وعند مقارنة اقتصادات دول الخليج مع نظيرها الأوروبي، والاختلافات التي ظهرت في الجانبين كل على حدة، فإن ما تتعرض له الوحدة النقدية الخليجية لا يعد أمراً يهدد الاتحاد الخليجي. عملات دول الخليج ـ ما عدا الكويت ـ مقومة بالدولار، ومرتبطة به، ويتم تداول الريال والدرهم والدينار البحريني الآن عند سعر صرف متقارب جداً، ويتعامل بها في البيع والشراء بشكل يومي، بحيث إن المواطن الخليجي لم يعد يحمل هم تحويل النقود من عملة دولة إلى أخرى. وذلك يسهم في عدم تعجل دول الخليج إلى إصدار عملة خليجية موحدة، ويتيح لهم فترة أطول في إنهاء الإجراءات النظامية والتشريعية، والهيكلية بطريقة تضمن النجاح. وقد يخرج لاعب ما من قواعد اللعبة – وهو ما فعلته عمان في 2007 – عندما أبدت عدم قدراتها على مواجهة قواعد العملة النقدية في الموعد المحدد. وسبقتها الكويت بالتراجع عن الربط الكامل بالدولار حتى يتسنى لها معالجة التضخم المحلي.
ولعل انسحاب الإمارات في هذه المرحلة يعطيها وقتا كافيا لدراسة تأثير دولة المقر للمجلس النقدي الخليجي. فدولة المقر أو مقر المجلس أو البنك المركزي لن يغير بشكل جوهري في سياسات دول الخليج النقدية مجتمعة أو كلا على حدة. وفي اعتقادي أنه لن يضيف للمملكة الشيء الكثير بقدر ما يضيف إليها مسؤولية مضاعفة بنجاح العملة الخليجية، ونجاح السياسات النقدية للمجلس، خصوصاً أن لديها احتياطات مالية ضخمة، وثقلا اقتصاديا عالميا كبيرا يمكنها من ذلك. إن وجود المجلس أو البنك المركزي الخليجي في دولة ما يشكل عبئا عليها، ويضيف إليها مسؤوليات وواجبات قد تأتي على حساب السياسات النقدية والمالية المحلية. وفي اعتقادي أن ذلك يصب في مصلحة الإمارات – بعدم وجود مقر المجلس النقدي فيها – حيث يمكنها ذلك مواصلة سياساتها النقدية والمالية المنفتحة أكثر من أي دولة خليجية باستقلالية أكبر، وبالتالي تبني سياساتها المستقلة في هذا الشأن. حيث إن السياسات النقدية والمالية لكل دولة ستظل مستقلة ما دامت ضمن معايير الوحدة النقدية التي تتطلب مستويات محددة في عجز الموازنة ومعدلات التضخم، الأمر الذي يضيف إلى دولة المقر عبئا أكثر، مع ما ينطوي على ذلك من تحفظ أعلى – كما هو الحال لدور ألمانيا الآن. وفي اعتقادي أن المملكة قادرة على الالتزام بالمعايير المطلوبة لنجاح العملة الخليجية لالتزامها وتحفظها المعتاد في كل من سياساتها المالية والنقدية، مع ما عرف عنها حرصها الشديد على تحقيق الحلم الخليجي في وحدة خليجية متكاملة.

إضافة إلى ما سبق، فإن دولة المقر لن تضيف كثيرا إلى مهام المجلس النقدي، التي لن تخرج عن الخطوط العريضة المتعارف عليها المتمثلة ـ كما هو في الاتحاد الأوروبي- في:
ـ رسم وتنفيذ السياسة النقدية للاتحاد الخليجي كتكتل اقتصادي.
ـ الإشراف على الاحتياطات الرسمية من النقد الأجنبي، وتحديد كيفية إدارة هذه الاحتياطات وتوظيفها.
ـ وضع الضوابط التي تحافظ على الاستقرار المالي والنقدي في الدول الأعضاء.
ـ إصدار أوراق البنكنوت وسكّ وحدات العملة الخليجية.
ـ وضع وتنفيذ معايير الرقابة على المؤسسات الائتمانية في الدول الأعضاء.
ومثل هذه المهام ستكون من مسؤوليات محافظي المجلس النقدي الخليجي، حيث إن رئيس المحافظين قد يلعب الدور الأكبر في وضع آليات وتنفيذ هذه السياسات العامة. مؤملا أن يتفق الأعضاء في هذه المرحلة على اسم وجنسية المحافظ القادم ضمن التسوية التي يجب العمل عليها بحرص لإنجاح المجلس النقدي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي