ماذا يعني طرح شركة خاصة لصكوك محلية وإقفالها ؟
الثقة هي الكلمة التي قفزت في ذهني وأنا أقرأ الخبر الذي أعلنته إحدى الشركات المساهمة على موقع تداو، الذي تقول فيه إنها طرحت وأقفلت صكوكا (سندات مهيكلة وفق أحكام الشريعة الإسلامية) بمبلغ 750 مليون ريال. نعم إنها الثقة بقدراتها كشركة خاصة ذات سجل ائتماني وإنتاجي سليم، والثقة بالسوق العقارية كسوق لم تتأثر بشكل كبير بالأزمة المالية لأنها تشهد طلبا حقيقيا ومتزايدا على المنتجات العقارية، والثقة بقدرة السوق المالية السعودية على إقفال هذا الاكتتاب الكبير نسبيا مقارنة بالظروف المالية القائمة، حيث أدركت الشركة أن هناك من يرغب في أدوات استثمارية طويلة الأجل قليلة المخاطر خصوصا من الكتل المالية أفرادا ومؤسسات من باب تنويع الاستثمارات.
هذه الثقة التي تملكت القائمين على الشركة قبل الطرح انتقلت لنا جميعا من مهتمين بالشأن الاقتصادي بالبلاد وعقاريين وماليين بعد أن نجحت وأقفلت الصكوك، وهذا الإنجاز هو إنجاز غير مسبوق على اعتبار أنها أول شركة مملوكة بالكامل للقطاع الخاص تجرؤ على طرح صكوك (وليست أسهما) باكتتاب خاص (وليس عاما) بهذا المبلغ في وقت تشهد فيه السوق شحا في السيولة بسبب الأزمة المالية العالمية لانحسار أو غياب التمويل الخارجي وتحمل الممول المحلي (الجريح بفعل الأزمة) كامل مسؤولية التمويل الداخلي.
الطرح الخاص للصكوك يعني أن الشركة تقابل المستثمرين الأذكياء الذين يستندون إلى خبرات استشارية لعرض صكوكها كفرصة استثمارية في وقت تعز فيه السيولة، وموافقة هؤلاء المستثمرين الأذكياء على شراء هذه الصكوك يقول إنها وافقت كافة معاييرهم الاستثمارية وهو ما يثبت أنها صكوك تمت هيكلتها ماليا بطريقة مهنية من قبل شركة خاصة استعانت بخبرات مالية لمؤسسات مالية عريقة ذات قدرات فنية وتسويقية أيضا، وحسب علمي أنها مؤسسات مالية سعودية، كما يثبت أن الوضع المالي في بلادنا مستقر ومشجع ويشهد ثقة المستثمرين الأذكياء وهو ما ينعكس بالتبعية على المستثمرين الأفراد.
النظام المالي - وكلنا يعرف ذلك - هو نظام يستند إلى فرضيات تتكئ في مجملها على الثقة بالموقف الاقتصادي للبلاد والموقف المالي لكل مؤسسة مالية والموقف المالي لكل طالب للتمويل، وإقفال الصكوك في هذه الظروف الاستثنائية يقول إن الثقة قائمة على كافة المستويات، فمن أين تحققت هذه الثقة؟
لا شك أن ما اتخذته حكومة خادم الحرمين الشريفين من تدابير معلنة وغير معلنة لمعالجة آثار الأزمة المالية هي محل احترام وتقدير وأثبتت فاعليتها في تعزيز موقف مؤسساتنا المالية للقيام بدورها المصرفي والتمويلي، حيث إن هذه الإجراءات أسهمت في تخفيف التباطؤ الاقتصادي إلى أدنى درجة ممكنة حيث الإنفاق الحكومي المستمر والسخي وما يترتب عليه من تنشيط للاقتصاد الوطني الذي انعكس بشكل جلي على سوقنا المالية التي بدأت تشهد ارتفاعات معقولة.
أيضا أسعار النفط التي مازالت فوق مستوى 50 دولارا هي مصدر تطمين لنا جميعا على اعتبار أن الموازنة العامة مربوطة بالإيرادات النفطية، ومما يطمئن كثيرا من خبراء الاقتصاد عموما وخبراء النفط على وجه العموم أن النفط الذي يعتمد سعره على عدة عوامل متداخلة (المخزون العالمي، العرض والطلب، الطاقات الإنتاجية، تكاليف الاستخراج، التقنية المستخدمة وتطوير معدات الاستخراج ورفع كفاءة الاستهلاك، الضرائب التي تقررها الدول المستهلكة وأثرها في موازناتها، معدلات النشاط الاقتصادي، ... إلخ) من المتوقع له أن يكون شحيحا في ظل ندرة مصادر الطاقة البديلة، كما أنه من المتوقع أيضا أن تزداد أهميته كوسيلة لحل المشكلات الاقتصادية لكثير من دول الغرب القوية خصوصا الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن الأسعار لن تنخفض كما يقول البعض بشكل مفزع، بل إنها لربما ترتفع إلى الأعلى رغم الأزمة المالية القائمة إن لم تستقر عند الأسعار الحالية حول 50 دولارا.
أيضا الثقة بالسوق الأجنبية أصبحت محل جدل في ظل الخطط الماكرة التي استطاعت أكبر سوق مالية عالمية التي كانت تشكل أكبر قناة استثمارية متطورة وآمنة أن تلغي معظم ديونها التي استطاعت الوصول إليها من أموال الدول والشعوب بعد أن مكنتها التطورات التقنية (اقتصاد المعرفة) من الوصول إليها والهيمنة عليها بذكاء يفوق الخيال (وهي مازالت قادرة على ذلك)، ولا شك أن تبخر الأموال في السوق الغربية جعل من أصحابها يعيدون التفكير في استثماراتها في السوق المحلية بأوراق مالية مدعومة بأصول يرونها رأي العين ذات قيم مضافة للاقتصاد الوطني.
ختاما أقول إننا في ظل الإنفاق الحكومي السخي، وأسعار النفط الحالية والمتوقعة، وقوة سوقنا المالية، وسلامة مؤشرات اقتصادنا نعيش اليوم فرصة كبيرة لتطوير سوق السندات الأولية والثانوية لتلعب دورها المهم والحيوي في تمويل القطاع الخاص المهني القادر على تلبية معايير إصدارها وطرحها وإقفالها بما يساهم في تنشيط اقتصادنا الوطني وتحقيق أهدافنا التنموية الشاملة والمستدامة والمتوازنة من ناحية، وبما يوفر فرصا استثمارية آمنة ومجزية للكتل المالية المحلية والأجنبية في بلادنا التي تستهدف تنمية أموالها أو ما تقوم عليه من أموال في أدوات استثمارية طويلة الأجل قليلة المخاطر ذات إيرادات مجزية ودائمة.