نظام الكفيل . . مع أو ضد؟

مثل أكثر الخيارات المتاحة في هذه الحياة لا يوجد شر محض ولا خير كامل، ونظام الكفيل أحد هذه الأمور التي يدور حولها كثير من الجدل محلياً، وكثير من الاعتراض دولياً، وكثير من التهكم عربياً، وكثير من التهم آسيويا، وعلى الرغم من ذلك كله .. فإن نظام الكفيل ما زال قائماً قوياً مثل جبل لا تهزه الرياح.

كثير من كبار موظفي القطاع الخاص غير السعوديين لا يقبلون بالخضوع لهذا النظام، فمجرد سحب الجواز من الموظف والاحتفاظ به لدى الكفيل فيها جرح لكرامة كثير من الناس، فكيف بباقي الإجراءات التي يرى فيها كثير من الموظفين أن فيها إهداراً لآدميتهم. وحقيقة أوافقهم على هذا الرأي، فلا يمكن أن أقبل كرئيس شركة أو أحد كبار العاملين فيها بأن تكون رخصة دخولي وخروجي وسفري وترحالي بيد موظف ميزته الوحيدة أنه سعودي.

يرى بعض المتحمسين للسعودة، وخاصة من المنظرين لها، أن نظام الكفيل هو العدو اللدود للسعودة، حيث إن إلغاء نظام الكفيل سيسهم وبشكل مباشر في ارتفاع تكلفة العمالة الأجنبية إلى الحد الذي تتلاشى فيه الفروقات بين السعودي وغيره من حيث التكلفة، وبالتالي سيسهم في تعيين واستقرار السعوديين في القطاع الخاص، وهذا بلا شك حقيقي، ولكن تناسى أصحاب هذا الرأي بأن ذلك لن يقنع القطاع الخاص بالسعودة، حيث إن المشكلة ليست قضية تكافؤ الرواتب فقط، بل ثقافة العمل والاستقرار الوظيفي والحاجة إلى العمل .. إلخ. كما أن هذا الخيار سيسهم بشكل كبير في ارتفاع التكاليف حيث إن بند الرواتب يعد أحد أهم بنود التكاليف في كثير من الصناعات والخدمات، وبالتالي فزيادته تعني ارتفاع التكلفة وبالتالي الأسعار.

من جانب آخر، يرى القطاع الخاص أن نظام الكفيل، وخاصة ما يتعلق فيه بمنع الموظف من الانتقال إلى كفيل آخر إلا بموافقة كفيله الأصلي، كما يمنعه من العودة إلى العمل في المملكة بعد خروجه منها إلا بعد قضاء سنتين خارجها أو بالحصول على عدم ممانعة من كفيله الأصلي، يرى القطاع الخاص أن هذا الإجراء يسهم بشكل أساسي في استقرار العمالة والموظفين وعدم دورانهم بسرعة مؤثرة في سير العمل. كما أن هذا النظام يسهم في كبح جماح زيادة الرواتب بالنسبة لغير السعوديين مما يسهم في اقتصاديات القطاع الخاص بشكل كبير، وهذه حقيقة قد تخضع لآراء مختلفة، ولكنها في النهاية مسألة مجربة وواضحة، والنتيجة استقرار أكبر للعمالة.

يحدثني بعض الأصدقاء في دبي حيث حرية تنقل العمالة، والشركات الإماراتية تشتكي من عدم استقرار العمالة، وقد عبّر لي أحدهم بأن الموظفين يغيرون أعمالهم خلال استراحة الغداء!!

هل ينبغي لنا التفكير في الجوانب الأمنية؟ حيث نشتكي من العمالة السائبة، والجرائم التي يقوم بها هؤلاء، وبيع التأشيرات، وهروب العمالة، والتستر . . إلخ، إنها جزء من مشكلة الكفيل!!

ليست المسألة خصوصية السعودية عن غيرها، ولكني أعتقد أن الوقت مازال مبكراً لفك نظام الكفيل، حيث إن المواطن السعودي (وأنا أنتقد نفسي أولاً) ما زال غير قادر على منافسة العامل الأجنبي والموظف غير السعودي من حيث الكفاءة والجدية والحاجة للعمل والقبول بظروف العمل الصعبة، وخاصة في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، أو الأعمال المبتذلة .

أنا لا أتحدث عن الكل، بل أتحدث تحديدا عمن يقذفهم القطاع الخاص لعدم كفاءتهم أو لعدم جديتهم أو أو . . إلخ، وكل مَن كانت له تجارب في توظيف العمالة السعودية، يستطيع أن يعطيك من الأمثلة أكثر بكثير مما تحتمله هذه المقالة، بل الجريدة كاملة. ولا يقول لي قائل عن تجربة "سابك" أو "أرامكو" أو "الاتصالات" أو أو . . إلخ، فأنا أتحدث عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل ما يزيد على 70 في المائة من اقتصادنا، ولا يزيد العاملون فيها على 50 شخصاً بمن فيهم "الكفيل" .

لندع المجاملات جانباً، ولنفكر حقيقة هل مشكلة الغلاء تستحق النظر فيها أم لا؟ هل نحل مشكلة 50 ألف عاطل سعودي أو حتى 100 ألف؟ أم نسهم في زيادة لهيب الغلاء الذي ينهش في المجتمع بأكمله؟ إن تغيير تركيبة الرواتب أو ما يؤثر فيها سيؤثر تأثيراً مباشرا في الأسعار بسبب أو دون سبب، فالتجار يبحثون عن أي عذر لزيادتها، والأزمة الأخيرة خير شاهد على ذلك.

هل ستتأثر رفاهيتنا في البيوت؟ بالتأكيد، فلن يكون هناك عمال يعملون بـ 600 ريال أو خادمات بـ 800 ريال أو سائقون بألف ريال، وهؤلاء هم مَن سيعلن قوائم أسعار العمالة حسب الطلب وحسب الجنسية وحسب.. وحسب ...

أعود إلى ما تحدثت عنه في بداية هذا المقال، حول نظام الكفيل وهل هو شر محض أم خير محض؟ وأعتقد أن الإجابة قد تكون مختلفة حسب الزمان والمكان والظروف، التي أسأل الله أن تتهيأ في أقرب وقت للتخلص من هذا النظام بالشكل الذي ينمي الرفاه في المجتمع، ولا يهدم البيت بأكمله ليبني جداراً في الصحراء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي