خط الفقر المجهول.. والقيل والقال!
أماط خادم الحرمين الشريفين – يحفظه الله - اللثام عن مسألة وجود مشكلة الفقر في مجتمعنا، عندما قام بزيارة أحد الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض خلال شهر رمضان عام 1423هـ، ووجه – آنذاك - بإعداد استراتيجية لمكافحة الفقر وتأسيس صندوق خيري خاص للحد من الفقر. وكما يُقال، فإن الاعتراف بالمشكلة هو نصف الحل. والمجتمع السعودي لا يختلف عن المجتمعات البشرية الأخرى. فالفقر ظاهرة عامة، لا يخلو من وجودها أي مجتمع بشري، ولكن بنسب متفاوتة، ودرجات مختلفة.
لا بد أن الجهات المسؤولة قامت منذ ذلك الوقت بالعمل على إعداد تلك الاستراتيجية وإنجازها في الوقت المحدد، ولكن هذه الاستراتيجية لم تر النور، وطال انتظارها، خاصة مع الحاجة الماسة إلى معرفة خطوط الفقر (المطلق أو المدقع) من أجل أخذها في الحسبان عند إجراء الدراسات أو وضع السياسات ذات الصلة بالمجتمع.
فعلى الرغم من مرور سبع سنوات منذ توجيه خادم الحرمين الشريفين، لم تتوافر أية وثيقة عن استراتيجية الفقر، وأعرف أن الحاجة الكبيرة إلى مثل هذه الوثيقة من قبل جهات حكومية وأهلية وباحثين ومهتمين بالشأن المجتمعي. وإذا اتفقنا على أن وجود الفقر ليس عيباً، وليس حكراً على مجتمع دون آخر، وأن الاعتراف بالمشكلة هو خطوة في الاتجاه الصحيح لحلها، فإنني – وغيري - لا نجد مبرراً للتأخر في إتاحة "استراتيجية الفقر" (إذا كانت موجودة) للباحثين والجهات الحكومية والخاصة، وكذلك الجمعيات الخيرية. إن وجود هذه الوثيقة في متناول هؤلاء يُسهم في تحسين إدارة الجهود التنموية وتوجيه العمل الخيري في الاتجاه الصحيح، مما يزيد من فاعلية هذه الجهود في خدمة المجتمع بشكل عام، ومعالجة الفقر بشكل خاص.
ولا تعني المطالبة بإعلان الاستراتيجية – بأي حال من الأحوال - تجاهل الجهود الكبيرة التي بذلت (وتُبذل) للحد من الفقر، سواء من قبل الجهات الحكومية أو المؤسسات الأهلية والخيرية، مثل: رفع مخصصات الضمان الاجتماعي، وزيادة الرواتب 15 في المائة، ودعم صندوق التنمية العقاري، إلى جانب جهود المؤسسات الخيرية، كمؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي، ومؤسسة الأمير سلطان الخيرية، وكذلك مؤسسة سلمان للإسكان الخيري، ومؤسسة الملك خالد الخيرية وغيرها.
ولكن هذه المؤسسات وغيرها من الجهات الحكومية وغير الحكومية في حاجة إلى معرفة أهداف الاستراتيجية واتجاهاتها، من أجل توجيه الجهود في الاتجاه الأنسب، وإجراء دراسات أعظم فائدة وأكثر دقة، خاصة أن فاعلية العمل الخيري تنخفض في منطقة الخليج العربي بدرجة كبيرة، حيث لا يتجاوز ما يصل إلى الفئات المستهدفة 30 في المائة من الأموال المبذولة، حسبما يُشير بعض المختصين.
ختاماً، فإن وجود وثيقة الاستراتيجية في متناول المستفيدين يُسهم في ترشيد الجهود ويقلص التكهنات والتوقعات، بل يقطع دابر القيل والقال حول نسب الفقر وخطوطه في المملكة.