عناصر الإدراك الحسي: العين البشرية
الحمد لله الذي خلقنا فأحسن صورنا، الذي جعل لنا عيونا نطل من خلالها على العالم من حولنا الذي تتجلى فيه إبداعات الخالق سبحانه وتعالى، حيث قال: (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون) الآية 23 من سورة المُلك.
تطرقنا في مقالات سابقة إلى معالجة الصور الرقمية بواسطة الحاسب الآلي بما يجعلها مقبولة لدى عنصر الإبصار البشري (العين). في الواقع العين البشرية هي الجهاز الأكثر حساسية لمثل هذه المعالجات الرقمية، فقد تكون الصورة غير مقبولة لتركز التشويش عند نقطة معينة، ولكن بعمليات حسابية بسيطة يمكن توزيع التشويش (ذاته) على جميع أجزاء الصورة. عند النظر مرة ثانية إلى الصورة فلن تلاحظ العين البشرية ذلك التشويش، رغم وجوده. إذاً العين هي العنصر الحساس الذي يجب دراسته ومعرفة خصائصه كي يسهل تصميم خوارزميات المعالجة المناسبة.
يقدم هذا المقال شرحاً ووصفاً لميكانيكية الإبصار لدى الإنسان وما الأجزاء المسؤولة عن ترجمة الصورة في العين وكيفية ترجمة الصور.
تأخذ العين الشكل الكروي Sphere مع بروز العدسة للخارج. إن العين من أهم الأجهزة التي حبانا إياها الله ـ جل شأنه ـ والعين تحتوي على ثلاث طبقات لكل منها وظيفتها الخاصة، وهي كالآتي: القرنية وغطاء الصلبة, وهذه تُكّون الطبقة الأولى وتغطي العين من الخارج, حيث إن القرنـية غطـاء شـفاف ومتين يقع في الجزء الأمامي من العين بينما غطاء الصلبة معتم ومهمة هذه الطبقة حماية العين من الصدمات الخارجية. المشيمة, وتقع في الجزء الأوسط من تركيب العين، حيث تحل بعد غشاء القرنية والصلبة. هذه الطبقة ذات سماكة قليلة وتحتوي على الشعيرات الدموية. ووظيفتها المساعدة على التحكم في كمية الضوء الداخلة إلى العين من الخارج.
الشبكية, وتعد آخر طبقة وتقسم إلى جزءين رئيسين هما: الجسم الهدبي, والحجاب القزحي. يعد الحجاب القزحي من أهم الأجزاء في تركيب العين، حيث إنه بالتمدد والتقلص يمكنه تحديد كمية الضوء الداخلة إلى العين.
تبدأ الرؤية بتحويل الطاقة الكهرومغناطيسية، التي تدعى فوتونات إلى إشارات عصبية يستطيع الدماغ تحليلها وتقوم بذلك الخلايا الضوئية الواقعة على شبكية العين, تقوم كل خلية بامتصاص ضوء النقطة التي تسقط عليها من تلك الصورة وتولد إشارة كهربائية ترمُز لكمية الضوء الذي تم امتصاصه ثم تُنقل هذه الإشارات إلى الدماغ عن طريق الوصلات العصبية وتمكن هذه العملية الجهاز البصري من الحصول على المعلومات اللازمة حول الشكل واللون والحركة.
يوجد نوعان من الخلايا الضوئية في عين الإنسان، النوع الأول يسمى الخلايا العصوية rod، والنوع الآخر يسمى الخلايا المخروطية Cone. الخلايا العصوية تتوسط الرؤية في الضوء الضعيف، لكنها عالية الحساسية، بحيث إن ضوء النهار يتجاوز طاقة عملها فتعجز عن أداء الإشارة. ليس لديها القدرة على تمييز الألوان، فمثلا: في ضوء القمر تتوسط الخلايا العصوية عملية الرؤية, لذلك فإن جميع الأجسام تظهر باللونين الأسود والأبيض.
النوع الآخر من الخلايا تسمى الخلايا المخروطية, يتوسط هذا النوع من الخلايا الرؤية في ضوء النهار، لأنها تعمل بنجاح في الأماكن ذات الإضاءة الجيدة. هذه الخلايا لديها القدرة على تمييز الألوان، حيث يوجد ثلاثة أنواع من الخلايا المخروطية يحتوي كل نوع منها على صبغة معينة تمكنه من امتصاص إحدى مناطق الطيف المرئي ذات الأمواج القصيرة أو الطويلة أو المتوسطة.
نستطيع أن نقول إن استجابة الخلايا المخروطية أسرع أربع مرات من الاستجابة لدى الخلايا العصوية, وهذا يمكنها من كشف التبدلات السريعة في حركة الأشياء عندما يكون مستوى الإضاءة عاليا، ولكنها تظهر زيادة عالية في الحساسية الإبصارية في مستويات الإضاءة المنخفضة. نلاحظ أنه عند دخولنا إلى غرفة ضعيفة الإنارة فإننا في بداية الأمر لا نرى شيئا بسبب عدم حساسية الخلايا المخروطية وبعد برهة من الزمن تبدأ الرؤية بالوضوح شيئا فشيئا، وذلك لأن الخلايا العصوية بدأت القيام بدورها.
في الختام نسأل الله أن يُنير بصائرنا كما أنار أبصارنا، فهو الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، سبحانه وتعالى.