ملتقى يشخص معوقات الإعلام الاقتصادي ويضع الحلول

نظمت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، ملتقى الإعلام الاقتصادي تحت شعار "الإعلام والاقتصاد – علاقة تكاملية"، وذلك بتاريخ 26 نيسان (أبريل) من العام الجاري.
في رأيي من بين أبرز الأهداف التي دعت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، إلى تنظيم ذلك الملتقى، هي: (1) تشخيص واقع حال الإعلام الاقتصادي في السعودية اليوم. (2) بحث السبل الكفيلة بتطوير آليات وأدوات عمل الإعلام الاقتصادي المتخصص في المملكة، بما في ذلك الموارد البشرية، حيث يصبح الإعلام الاقتصادي في السعودية، مؤهلا وقادرا على التعامل ومعالجة القضايا والمتغيرات الاقتصادية، التي تحدث على الساحتين المحلية والدولية بشكل مهني علمي وعملي محترف، مقارنة بأي وقت مضى، بما يخدم حاجات المجتمع السعودي. (3) إيجاد بيئة عمل وخلق علاقة اقتصادية تكاملية بين الإعلام والجهات الاقتصادية ذات العلاقة بالمملكة، بما يحقق التوازن بين تناول احتياجات ومشكلات قطاع المال والأعمال في السعودية، واحتياجات وطموحات وتطلعات المواطنين، بصفتهم مستهلكين للسلع والخدمات التي يقدمها ذلك القطاع.
أوراق العمل التي قدمت في الملتقى، اتفقت جميعها على ضرورة وأهمية الارتقاء بمهنة الإعلام الاقتصادي المتخصص في المملكة، ولا سيما في ظل القصور الواضح، الذي تعانيه المواد الإعلامية الاقتصادية المتخصصة، التي تقدم للجمهور من خلال جميع وسائل الإعلام، وذلك نتيجة للضعف المهني الكبير، الذي تعانيه معظم المؤسسات الإعلامية والصحافية في مجال الإعلام الاقتصادي المتخصص، الأمر الذي أسهم بشكل كبير وواضح في هشاشة وتشويه وتضارب المعلومة الاقتصادية، التي تقدمها وسائل الإعلام للجمهور، والذي انعكس بدوره سلبياً على قراراتهم وتوجهاتهم الاقتصادية والاستثمارية اليومية.
عزت أوراق العمل، التي قدمت في الملتقى المذكور، أوجه القصور والضعف الواضح في آليات وأدوات العمل الاقتصادي المتخصص، إلى العديد من الأسباب، التي لعل من أبرزها وأهمها: (1) عدم وجود قدرات وكوادر وطنية ذات دراية متخصصة في المجالات الاقتصادية، وبالذات المرتبطة بالعمل الصحافي والإعلامي. (2) معاناة المؤسسات الصحافية من عدم الاستقلالية في كتابة المادة الصحافية الاقتصادية، إما نتيجة للشح الشديد في المعلومة الاقتصادية وعدم توافرها، بسبب حساسية بعض الجهات الاقتصادية في الدولة والقطاع الخاص من النشر الإعلامي، أو نتيجة لوجود تضارب واضح في المصالح بين المؤسسات الصحافية والجهات المعلنة، مما تسبب في حدوث فجوة أو تشويه في المعلومات الاقتصادية والاستثمارية، التي تنشرها الصحافة المحلية، نتيجة لحساسية بعض المنشآت الاقتصادية في نشر المعلومات، وبالذات حين الأخذ في الحسبان، أن معظم المؤسسات الصحافية في السعودية وغير السعودية، تعتمد في دخولها على الإيرادات المتولدة من بيع الإعلانات التجارية، ولا سيما أن سوق الإعلان في المملكة تعد سوقا ضخمة للغاية، إذ تقدر قيمتها على مستوى منطقة الخليج بنحو 18 مليار ريال في السنة، مما قد يؤثر بشكل أو بآخر على توجهات المواد التحريرية. (3) وجود فجوة واضحة بين الجامعات ومراكز البحث العلمي في المملكة، والمؤسسات الصحافية فيما يتعلق بالارتقاء بمهنة الإعلام الاقتصادي في السعودية، الأمر الذي يؤكده، عدد الخريجين من الجامعات السعودية الكبير في كل عام في مجال العلاقات العامة مقارنة بعدد الخريجين المتواضع جداً في مجال الإعلام المتخصص، إذ قدرت إحدى الأوراق التي قدمت في الملتقى، أن قسم الإعلام في جامعة الملك سعود منذ تأسيسه وحتى الآن لم يخرج سوى 200 شخص متخصص في مجال الإعلام، بينما تم تخريج مضاعفات ذلك الرقم في مجال العلاقات العامة.
الملتقى المذكور خرج بعشر توصيات مهمة للارتقاء بمجال عمل الإعلام الاقتصادي المتخصص، من بينها: (1) إنشاء مركز بحثي إعلامي متخصص تحت مظلة هيئة الصحفيين السعوديين، للبحث في تنويع وسائل ومصادر تمويل المؤسسات الإعلامية، لتلافي اعتمادها على الإعلان بشكل رئيس، بما في ذلك تبني برامج تدريب إعداد وتأهيل الصحافيين والإعلاميين الاقتصاديين، بالتعاون مع المراكز التدريبية المتخصصة داخل المملكة وخارجها. (2) استقطاب خريجي كليات الاقتصاد من المتميزين في المملكة، وتأهيلهم للعمل في مجال الإعلام الاقتصادي. (3) ضرورة تعاون الجهات الحكومية، وبالذات التي تمتلك للإحصاءات وللمعلومات الاقتصادية، مع وسائل الإعلام المختلفة، من خلال تزويدها بتلك الإحصاءات، تجنباً للاجتهاد أو الاستعانة بمصادر معلوماتية غير دقيقة. (4) ضرورة عقد لقاءات دورية بين الإعلام والجهات المعنية بالاقتصاد في المملكة، مثال وزارات التجارة والصناعة، والاقتصاد والتخطيط، والمالية، وغيرها من الجهات التي لها علاقة بالمتغيرات الاقتصادية، وذلك بهدف إيجاد مساحة من الفهم المشترك لطبيعة عمل الصحافة الاقتصادية في خدمة المجتمع وتقدمه.
خلاصة القول، في رأيي أن ملتقى الإعلام الاقتصادي، الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، قد نجح نجاحاً باهراً، في وضع، وكما يقولون النقاط على الحروف، في تشخيصه الدقيق لمعاناة الساحة الإعلامية السعودية، بما في ذلك أفراد المجتمع السعودي، من ضعف آليات العمل الإعلامي الاقتصادي المتخصص، وذلك نتيجة للأسباب التي أوضحتها العديد من أوراق العمل التي قدمت في الملتقى، التي من بين أبرزها وأهمها، عدم توافر كوادر وطنية متخصصة في العمل في مجال الإعلام الاقتصادي، وشح توافر المعلومات الاقتصادية، نتيجة لحساسية بعد الجهات الحكومية والخاصة تجاه التعامل مع وسائل الإعلام في المملكة.
في رأيي أيضاً، أن الخروج من أزمة ضعف الإعلام الاقتصادي المتخصص في المملكة، يتطلب تضافر جهود جميع الأطراف أصحاب العلاقة بالارتقاء بأداء مهنة عمل الإعلام الاقتصادي المتخصص، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، المؤسسات الصحافية العاملة في المملكة، والجامعات السعودية ومراكز الأبحاث، بما في ذلك وزارة الثقافة والإعلام، في تبني إعداد وتنفيذ خطة وطنية تتعامل مع جملة التحديات والمعوقات، التي تعترض طريق تطور العمل الإعلامي المتخصص بشكل عام والإعلام الاقتصادي المتخصص بشكل خاص، حيث نتمكن خلال فترة من الزمن، من الارتقاء وكما أسلفت بأداء عمل المهنة، وتتمكن بالتالي وسائل الإعلام المحلية، وفقما أشار إلى ذلك الدكتور عبد العزيز خوجة وزير الثقافة والإعلام ، في كلمته خلال افتتاحه للملتقى، من التعامل مع التطورات ومع الحقائق الاقتصادية بمنطق واع، يأخذ في الحسبان مصالح قطاع المال والأعمال، ومصالح المواطنين والمستهلكين، مع الالتزام بما يخدم مصالح البلاد العليا، ويعين كذلك على نجاح جهود مؤسسات الدولة المتواصلة في خدمة الوطن، ويسهم في إيضاح ما قد يوجد من خلل في أداء الأجهزة الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وبالله التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي