مجلة جسد.. هل هي للثقافة؟
ثقافة الابتذال الجنسي التي أصبحت جزءا من منظومة المجتمعات الغربية، حيث لا قيود على العلاقات الجنسية بل تتحول إلى حق يمارسه الإنسان دونما داع لارتباط شرعي، وأخيرا أصبحت هذه العلاقات والأخرى الشاذة، وتشريع زواج الشاذين في العديد من الدول الأوروبية وعدد من الولايات المتحدة، بل نجد بعض المواد في مواثيق الأمم المتحدة حماية لهذا الابتذال الجنسي تحت مسميات متعددة منها "الصحة الإنجابية" و"المساواة الجندرية" و"حقوق الشواذ"، بل أصبحت هذه النداءات الآن تتجه إلى مجتمعاتنا الإسلامية كي تتحرر من قيودها التي تضعها على النساء تحت ستار تحريرها من جور الدين الإسلامي - كما يقولون -!! هذه الشعارات تجعل "الفضيلة" مرتبطة بعبودية المرأة، وفي ذلك فهم إجرامي للفضيلة، من جهة، ومن بناء القيم الدينية وتشريعاتها التي تحافظ على سلامة المجتمع ونقائه من هذه الموبقات التي تعيد الإنسان إلى عصر البهيمية وإلى الجاهلية عندما كانت عمليات الاستبضاع أمرا عاديا ووجود النساء اللاتي يبعن المتعة المحرمة لا ضير فيه إلى أن جاء الإسلام وحرر المجتمع من هذه الكبائر.
الحضارة المادية المعاصرة حولت الواقع الاجتماعي والإعلامي على وجه الخصوص إلى سوق للنخاسة لجسد المرأة تحت الشعارات إياها (تحريرها من قيود المجتمعات وكسر التابو, وكسر المحرمات التي تمنعها التمتع بالحرية!! وما مؤتمرات الإسكان والتنمية التي تعقدها الأمم المتحدة وعقد لها عدة مؤتمرات ابتداء من مؤتمر بكين وانتهاء بمؤتمر نيويورك منذ شهور إلا تأصيلا لروح الفرد وإطلاق الحريات الجنسية المسعورة التي تسهم في تفتيت الأمم وإذلال المجتمعات وانتشار الأمراض، مع ما تحمله من نداءات للقضاء على الفقر والأمية والتجارة في النساء ومحاربة البغاء مثلا!!
حضارة الجسد الآن هي القاسم المشترك في سوق الاستهلاك سواء في الملابس والأزياء التي لا تستر قدر ما تحقق مزيدا من الإثارة والإغواء.
تجار الجسد الآن هم الذين يقودون المجتمعات ويفرضون توجهاتهم على وسائل الإعلام على وجه الخصوص، ولا ننسى عبارات أحد مخرجي الفيديو كليب المبتذل من دولة خليجية أن: "الإغواء هو الماشي في السوق" والهدف "الرغبة في الربح السريع"، وكما وصفهم الدكتور عبد الوهاب المسيري ـ يرحمه الله ـ إن إنسان الفيديو كليب حيوان جنسي استعراضي، أي أن تعريف المنطقيين أن الإنسان حيوان ناطق؛ أي عاقل انتهت صلاحيته، فالإنسان أصبح ضحية إشارات فضائية مباشرة وغير مباشرة صريحة ومداورة, كلها تخاطب فيه النصف السفلي، وتضخم فيه قطاع اللذة والاستهلاك.
** من المتضرر من هذا الابتذال؟ أليست هي المرأة التي يدعون أنهم يحررونها من جور الأديان إلى التمتع بفضاء الحرية. ولكن أي حرية هذه التي تحولها إلى حيوان ناطق يستعرضون جمالها في سوق نخاسة حديث عبر الأفلام والفيديو كليبات الجنسية؟ وكيف تتخلى عن مواقعها الأساسية لبناء المجتمع من خلال أمومتها ووظيفتها التربوية والاجتماعية مع الرجل كي تبني أفراد المجتمع؟ وترضى أن تكون خادمة لرغبات المشترين في أسواق النخاسة الحديثة؟
وأخيرا تم اكتمال هذه الدائرة الجهنمية في تحويل مجتمعاتنا العربية إلى مراتع للمزيد من سعار الجنس وتيسير الغواية تحت ستار تثقيف الإنسان العربي بصدمة وجوده الجسدي، فنجد محاولات حثيثة لتقليد النموذج الغربي في التحلل من القيم الأخلاقية فيما يتعلق بالجنس فنجد العديد من الأفلام السينمائية والمسرحيات لمخرجات عربيات لا تتحدث إلا عن العلاقات الشاذة وغير الشرعية وبعضها منقول من نصوص غربية كاملة! بخلاف الروايات الإباحية المبتذلة تحت الشعار نفسه "الحرية"!
ومن هذه الإنجازات الشاذة التي لا هدف منها سوى المتاجرة بالجنس تحت مسميات ثقافية ومنها ما يطلق عليها مجلة "جسد" التي صدرت منذ شهور في لبنان وللأسف أجد أن صحفنا أفردت لها صفحات وأخبارا للترحيب بها وقبل إصدارها، ثم الإشادة بها بعد الإصدار وادعاء أنها "مجلة ثقافية"! فصلية وأنها "الأولى من نوعها في العالم العربي، متخصصة في آداب الجسد وفنونه! في تصميم مثقف ورصين وعارف وعنيد على كسر أغلال التابو توقاً إلى أبعد أفق للحرية تستحقها يد كاتب وفنان في هذه الحياة"! هذا هو المديح في صحفنا عنها!
بل نجد تقريرا في صفحة كاملة عندما تقرأه تعتقد أنه يتحدث عن مجلة "علمية" أو "طبية"! من هذا التقرير المضلل نجد عبارات: (لا شك في أن الجسد هو أحد الهواجس الحساسة في الحياة العربية. وحين اختارته كركيزة لمشروعها، فهي إنما أرادت زحزحة وعي الإنسان العربي من خلال الاشتباك مع واحد من أهم وأخطر محذوراته. أي بمساءلة وجوده الجسدي بمعناه الرمزي والمادي. وربما لهذا السبب بالتحديد رجحّت فكرة تسمية المجلة "جسد" هكذا بكل ما للكلمة من حواف حادة ومستفزة، وبكل ما تحمله من صراحة لفظية حد المباشرة. زاهدة في استخدام أي مفردة مُوحية أو موازية أو حتى مشتقة من المكمن المتفجر ذاته. وهو ما بدا بشكل أكثر سفوراً في جرأة المواضيع، وفصاحة الصور، وكأنها تعادل وعي الفرد بقدرته على طرح الحياء ومثاقفة جسده الخاص، واختباره أيضاً على حافة مرايا وعي الآخرين بأجسادهم)، ويصر كاتب التقرير على التشجيع لهذا النوع من المجلات الإباحية بقوله: "ثمة ضرورة ثقافية بوجود مجلة مهجوسة بالجسد، تتجاوز فكرة الإثارة أو النزوة إلى مهمة توليد خطاب معني بفلسفة الوجود الجسدي". ثم يقول: "وبقدر ما يمكن أن تحققه المجلة من اختراق لوعي الإنسان العربي بمعنى ومغزى مكامنه الحسية، يفترض أن تسهم بقصديه صريحة في إعادة الاعتبار لجسد المرأة العربية تحديداً، المعروض بشكل مجاني خارج النسق الثقافي في مجلات البورنو الملتحفة بغشاء من السيلوفان الخادع الذي يتشبّه بالفن، بمعنى أنها مسؤولة بشكل ما من الأشكال عن إنتاج رؤية عصرية معنية بتوطين الجسد العربي داخل سياقاته التاريخية والاجتماعية والثقافية، وما تستوجبه مهبات العولمة".
** عبارات مضللة كي تمرر هذه المجلة على القارئ! في الوقت الذي يسطر بعض كتابنا الهجوم على مجلدات "في ظلال القرآن" لسيد قطب بدعوى أنه يحرض على التكفير ويطالبون بمنعها من البيع في المكتبات، نجد أن هذه الصحف تشيد بمجلة إباحية لا تخاطب سوى الجنس وهي أول مجلة عربية إباحية، كما ذكر عنها في مواقع صحافية لبنانية: "إن الناشرة استفادت من عدم وجود دائرة تراقب المطبوعات والنشر، ما يجعل الطرح اللبناني لبعض القضايا الاجتماعية تشوبه الجرأة الزائدة والتي قد تدفع البعض للتمادي. وتتذرع صاحبة المجلة بضرورة تمكين لغة الجسد في الحوار والتخاطب، وتنادي لاستخدام الجسد كأداة رئيسة في العلاقات بصرف النظر عن مشروعيتها، لكن المجلة لم تحتو على أكثر من بضعة لوحات إباحية لا تزيد في عرضها قيمة المجلة سوى انحطاطا، وانحدر مستوى الكتابة بها إلى سرد بعض الأحداث التي تصف وضعيات جنسية يخجل صاحب المروءة أن يهمس بها لنفسه". هذه هي المجلة! كما كتبت عنها أيضا الدكتورة نهى قاطرجي اللبنانية الأستاذة في كلية الإمام الأوزاعي – بيروت تحليلا وافيا يتناقض مع عبارات الإشادة والترحيب التي امتلأت بها بعض صحفنا وبعض المواقع الإلكترونية التي تنحو منهجا ليبراليا وعلمانيا! - تابع -