تأخر سن الزواج للفتيان والفتيات مدعاة للفساد!! (2 من 3)

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن مشكلة تأخر سن الزواج لدى الفتيات، وعن الأسباب والمحاذير والنتائج، وما يقود إليه ذلك من الوقوع في الفساد، جراء بقاء الكثير من الفتيات دون زواج!..، واليوم نتحدث عن الجانب الآخر للمشكلة وهم الشباب، ونقول إنهم يتقاسمون المسؤولية مع الفتيات، إزاء هذه المشكلة التي تكاد تقوّض أركان الأسرة والمجتمع، وكما أن الفتاة تبني صورة مثالية لفتى أحلامها، على الخيال والتصورات النرجسية، التي تظل تبحث عنها فلا تجدها في الواقع، فإن الشاب كذلك يبحث عن فتاة تجتمع فيها كل الصفات التي يتخيلها في شريكة حياته، مستبعداً أنه هو قد لا يتوافر لديه نصف الصفات التي ينشدها، ويظل كل منهما ينتظر، حتى يتقدم به العمر، ويصل إلى مرحلة يتمنى فيها لو عاد الزمن إلى الوراء، ليقتنص واحدة من الفرص التي ضيعها!..، ولا أخال شاباً أو فتاة تقدم بهما العمر دون زواج، إلا ومرت بهما هذه الظروف، وشعرا بالندم يوماً ما!
وكما شخّصنا حال الفتيات في المقال الأول، نشير هنا بالنسبة للفتيان إلى أن غالبيتهم مصابون بداء الغرور، والابتعاد عن واقع الأمور، فهو ينظر إلى نفسه وكأنه الشخص الوحيد الذي تتوافر فيه كل الصفات التي تتمناها كل فتاه، رغم أنه لا يهتم إلا بالتلهّي بأمور ثانوية على حساب النظرة المستقبلية، وأول ما يهتم به هو امتلاك سيارة بالمواصفات التي ترضي غروره، وبالقيمة التي يعجز عن توفيرها، فيضطر أمام إغراءات التمويل إلى تكبيل نفسه بالديون، التي تتسبب في عدم قدرته على الزواج في القريب المنظور!...، وأمام العاطفة المتدفقة التي تولّدها طاقة الشباب والفراغ، لا يجد مناصاً من التسلّي بالبحث عما يغذي هذه العاطفة، مثل الاتصالات الهاتفية مع الفتيات، والمحادثات عبر الإنترنت، ومحاولة اصطياد من تقع في طريقه بالكلام المعسول، والوعود بأن الزواج هو الهدف، حتى وإن كان الطرف الآخر شابا مثله يقلد صوت فتاة، كما حصل في حالات كثيرة! ومعظم من يستخدم هذا الأسلوب ينشدون التسلية والعبث، والبحث عما يرضي عواطفهم الجياشة التي يزيدها اشتعالاً ما يواجهونه كل يوم ولحظة، في الإنترنت والتلفزيون، بل في الأسواق، من استعراضات الفتيات، وهذا الأمر هو ما يعزى إليه افتتان الشباب، بل الصبية الصغار منذ أن تتنفس فيهم العاطفة، بفن الملاحقة والمواعدة، والخلوات المحرمة، مع الفتيات في سن مبكرة قبل إكمال مرحلة التعليم العام!
بعد هذه المقدمة، التي قد تكون مؤلمة، لكنها واقعية، أستعرض في الآتي من الأسطر أهم الأسباب التي تؤدي إلى تأخر الشباب (الفتيان) في الزواج:
1- ارتفاع تكاليف الزواج، نتيجة لارتفاع المهور والمغالاة فيها، وهناك من يعلّق أملا في (غناته) على تزويج بناته، وهناك من لا يحرص على تزويجهن لأنه يتكسّب من بقائهن، من راتب أو نحوه، وهناك التكاليف الأخرى لحفلات الزواج المبنية على المباهاة والتقليد، ويلاحظ أن دور الأمهات في هذه الناحية بارز لتصوّر البعض منهن بأن الفرحة لا تكتمل إلا بهذه المظاهر، وما علمت أن الفرحة الحقيقية تكمن في نجاح الزواج واستمراره، فصوت الآباء في هذه الناحية يكاد يختفي أمام ارتفاع صوت الأم، وقد ظهرت تقليعات وتجهيزات في الزواج، ابتدعها مروّجون أتوا من خارج المملكة والمجتمع، وكلما ابتدعوا شيئاً صار تقليدا، رغم أنها لا تمت للعادات والتقاليد بصلة!..، وكل هذه الأمور تضاعف من تكاليف الزواج، وتنكّد حياة بعض الأسر، بدلا من أن تسعد بالزواج!
2- ارتفاع تكاليف السكن، وعجز معظم الشباب عن توفير السكن المناسب بالإيجار، ناهيك عن التملك، يزيد من هذا انتشار ظاهرة إصرار الشباب على الاستقلال في السكن بعد الزواج، حتى لو لم يبق في بيت العائلة الكبير سوى أبيه وأمه، هذا رغم أن البقاء في بيت العائلة ولو للسنوات الأولى التي تسبق الإنجاب، يوفر على الشاب نفقات كثيرة هو أحوج ما يكون إليها لبناء أسرته ومستقبله!..، وهناك بيوت أصبحت خالية بعد تزويج الأبناء وخروجهم.
3- عدم توافر معلومات موثقة أو موثوقة عن الأسر التي لديها بنات في سن الزواج، وأصعب منه توفير معلومات صحيحة عن البنت وصفاتها وأخلاقها وهذا هو السبب الذي يكمن خلف ما يجري من لهاث الشباب خلف البنات محاولة لتوفير المعلومات بأنفسهم عبر أساليب التعارف المبتدعة، ظناً منهم أن ذلك سوف يوصلهم إلى مبتغاهم، بيد أن مثل هذه الوسيلة تعدّ عديمة الجدوى في مجتمع كمجتمعنا يسترخص فيه الشاب الفتاة التي تنقاد معه عبر هذا الطريق، فضلا عما قد يواجهه من معارضة الأهل لزيجة تتم بهذا الأسلوب، ومن ثم فهو أسلوب محكوم عليه بالفشل، ولا يتأتى منه إلا الافتضاح والابتزاز، ناهيك عن الفساد!
4- انتشار ظاهرة الاتكالية والدعة (والميوعة)، وعدم القدرة على تحمل مسؤولية الزواج، لدى الشباب، وميلهم إلى الراحة والنوم والمطاردة في الشوارع والأسواق والاعتماد على غيرهم حتى في قضاء لوازمهم الخاصة، وكثير من الشباب اليوم لا يقوم بأي مسؤولية أو التزامات لأسرته، رغم توافر الوقت ووسيلة النقل لديه، بل إن كثيراً من الآباء يشعر بالحرج وهو يستعين بمن (يصب) القهوة لضيوفه (بمقابل) وأبناؤه يغطون في نومهم، أو يمتطون سياراتهم في مشاوير لا نفع منها.
5- البطالة تسهم بشكل مباشر في تأخير سن الزواج للشباب، وهناك نصف مليون عاطل عن العمل، نتيجة مزاحمة الأجانب، وعزوف المنشآت عن توظيفهم وعدم تنفيذ قرارات الدولة حول ذلك، فضلا عن تذرع الجهات المسؤولة عن التوظيف بعدم تأهيلهم، أو بأن السماء لا تمطر وظائف، وكأن السماء لا تمطر إلا لغيرنا، بحيث أصبحنا (مثل النخلة العوجاء بطاطها في غير حوضها) كما يقول المثل!
6- هناك أسباب أخرى مرادفة تسهم بقدر ما في تأخير زواج الشباب، مثل إصرار بعض الأسر على تزويج البنت الكبيرة أولاً، وإصرار بعض الأسر على حصر التزويج داخل العائلة، وعدم سماح بعض الأسر برؤية الشاب للفتاة قبل الزواج الرؤية المسموح بها شرعاً، وكل هذه الأسباب ما أنزل الله بها من سلطان، وتتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي.
هذه هي الحال، أيها القارئ العزيز، فالمشكلة تكبر، ككرة الثلج، كلما دحرجتها جهة من أمامها، والكل يتوارى خوفاً من مواجهتها، وأصبحنا كمن يضع (المنخل) على قرص الشمس، حتى لا يرى الأمور على حقيقتها، والفساد يزداد، بصنع أيدينا حتى أنه يكاد ينطبق علينا قوله تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) (سورة الروم، الآية 41). في الأسبوع القادم سوف أحاول طرح الحلول التي أراها وألتقطها من أفواه الناس في المجتمع.
والله من وراء القصد

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي