قوة الاقتصاد السعودي وراء اختيار الرياض مقرا للبنك المركزي الخليجي

يشكل قرار اختيار الرياض مقرا للمجلس النقدي الخليجي المشترك، حدثا غير عادي بالنسبة لتنفيذ مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي يعد نواة للمصرف المركزي. وتكمن الخطوة التالية بالكشف عن تفاصيل المجلس النقدي، فضلا عن استكمال البنية القانونية والتشريعية والمؤسساتية، وخصوصا التصديق على اتفاقية الاتحاد النقدي. وكان قادة دول المجلس قد أقروا مشروع الاتحاد النقدي الخليجي أثناء قمتهم الـ 29 في العاصمة العمانية مسقط نهاية عام 2008.
وسيتم الإعلان لاحقا عن تأسيس البنك المركزي الخليجي ليكون بذلك ثاني مصرف من نوعه على مستوى العالم بعد البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية. وقد وقع الاختيارعلى فرانكفورت، نظرا لأن ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد بين دول الاتحاد الأوروبي المنظمة تحت لواء الاتحاد النقدي. يشار إلى أن بريطانيا، التي تعد عاصمتها أهم مدينة عالمية للخدمات المالية، قررت عدم الانضمام إلى المشروع الأوروبي كقرار سيادي. ويبدو أن عمان حذت حذو بريطانيا عندما قررت وبشكل قاطع عدم الانضمام إلى مشروع الاتحاد النقدي الخليجي.

خسارة المنامة ودبي
ربما جاء اختيار الرياض مفاجأة بالنسبة لبعض المراقبين، حيث كانت التوقعات تشير إلى احتمال فوز المنامة أو دبي. الحديث حول المنامة مرده الخبرة الواسعة للبحرين في مجال الخدمات المالية بشكل عام، ونجاحها في جعل نفسها أهم مركز للصيرفة الإسلامية. وكانت المنامة قد تحولت إلى واجهة مالية في المنطقة بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان منتصف السبعينيات.
كما أن فرضية اختيار دبي تأتي على خلفية نجاح الإمارة بتحقيق سمعة عالمية كمدينة تجارية رئيسة على مستوى المنطقة، وخصوصا في مجال تمويل التجارة. وقد نجحت دبي بتسجيل مراتب متقدمة في المؤشرات الدولية، بدليل احتفاظها بالمرتبة رقم 23 على مؤشر المراكز المالية العالمية لعام 2009، الذي تصدره مدينة لندن.

مركز الملك عبد الله المالي
حقيقة القول، تعد السعودية من المراكز المالية العالمية، بدليل حلولها في المرتبة رقم 27 على مؤشر التنمية المالية من بين 52 مركزا ماليا دوليا. وجاء ترتيب السعودية بعد الإمارات التي حلت في المرتبة رقم 16، لكن قبل البحرين التي بدورها حلت في المرتبة 28 على مستوى العالم. يعد مؤشر التنمية المالية عام 2008 الأول من نوعه الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي.
وما يهم في هذا الصدد، هو أن السعودية مقبلة على طفرة في قطاع الخدمات المالية، وذلك على خلفية الجهود المبذولة منذ عام 2007 لإنشاء مركز الملك عبد الله المالي في شمال العاصمة. ومن شأن اختيار الرياض تسريع وتيرة بناء المركز الطموح الذي يتم تشييده على مساحة قدرها 1.6 مليون متر مربع، أي الأكبر على الإطلاق في المنطقة. ويمثل المشروع أحد جوانب الرؤية المستقبلية لمدينة الرياض ضمن المخطط الاستراتيجي للعاصمة. من جملة الأمور، سيحتضن المركز نسبة كبيرة من العاملين في مجال الخدمات المالية بالنظر إلى احتضان الهيئات المالية والمؤسسات المالية، فضلا عن الشركات المساندة، مثل المحاسبة والمحاماة والاستشارات وهيئات التصنيف المالية.

أكبر اقتصاد إقليمي
ويمكن ربط اختيار الرياض كمقر للبنك المركزي الخليجي بمدى قوة الاقتصاد السعودي. فبحسب مجموعة الإيكونومست البريطانية، يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 684 مليار دولار استنادا إلى مبدأ القوة الشرائية أي الأعلى بين الدول العربية.
يعد الاقتصاد السعودي منافسا وجذابا للاستثمارات الدولية. استنادا إلى تقرير التنافسية الاقتصادية عام 2008 الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، فقد حلت السعودية في المرتبة رقم 27 دوليا على قائمة أكثر الاقتصادات التنافسية في العالم، متأخرة مرتبة واحدة عن قطر التي بدورها حلت في المرتبة الأولى بين الدول العربية قاطبة. وقد تقدمت السعودية ثماني مراتب في غضون سنة واحدة، ما يعكس نجاح سياسيات الإصلاحات الاقتصادية والهادفة إلى جعل الاقتصاد السعودي من بين أفضل عشرة اقتصادات جذبا أو تنافسية في العالم.
كما أكد تقرير الاستثمار العالمي عام 2008 والصادر من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية أو (الأونكتاد)، أن السعودية استقطبت نحو 24 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2007، أي الأعلى في منطقة غرب آسيا التي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي. وعليه تم تسجيل نسبة نمو قدرها 33 في المائة في قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة مقارنة بـ عام 2007.

العصر الذهبي
تعيش السعودية عصرها الذهبي فيما يخص استقطاب الاستثمارات الأجنبية. بالعودة إلى الوراء، استقطبت السعودية استثمارات أجنبية تقل عن ملياري دولار في عام 2004. فبحسب (الأونكتاد)، بلغ متوسط قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى السعودية 245 مليون دولار سنويا للفترة الممتدة من 1990 إلى 2000. وقد تحقق التطور الإيجابي في السنوات القليلة الماضية على خلفية الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وما صاحب ذلك من تحسينات وتطويرات للقوانين والتشريعات الاقتصادية للمملكة.
ختاما، نرى صواب اختيار الرياض مقرا للمجلس النقدي الخليجي، نظرا لما يمثله الاقتصاد السعودي من مركز ثقل عالمي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي