مواجهة معضلة التضخم في الخليج

[email protected]

كان لافتا ما جاء في البيان الختامي للاجتماع الـ 44 لوزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي, الذي عقد في الأمانة العامة في الرياض في الأسبوع الماضي, والذي أكد حق كل دولة في تبني سياسات منفردة لمواجهة معضلة التضخم, تعرف التضخم بارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة. تعاني دول مجلس التعاون في الوقت الحاضر هذه المشكلة, حيث ارتفعت الأسعار قبل أكثر من سنتين من الزمان وبقيت مرتفعة.
الجديد في الأمر هو الإعلان بصور علنية عن حق كل عضو في المنظومة الخليجية في اتخاذ القرارات اللازمة للوقوف أمام آفة العصر. كان التقليد المتبع في السابق هو الإعلان عن مواقف موحدة حيال القضايا المالية. لا نعرف ما دار وراء الأبواب المغلقة من مداولات بين المسؤولين, لكن يشير البيات الختامي إلى وجود تباين في مواقف الدول. ربما يكون من الصواب التكهن بأن ممثلي الكويت أصروا على حقهم في اتخاذ ما يشاؤن من قرارات لمواجهة مشكلة التضخم التي يعانيها الاقتصاد الكويتي.
فك ارتباط الدينار الكويتي
وكانت الحكومة الكويتية قد اتخذت قرارا في أيار (مايو) يقضي بفك ارتباط عملتها بالدولار الأمريكي واستبداله بسلة من العملات تشمل الدولار ولكن لا تقتصر عليها. واتخذت السلطات الكويتية القرار على خلفية عدم ظهور دلائل تشير إلى انتهاء حالة تراجع قيمة الدولار. يتسبب هبوط الدولار إلى استيراد التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار الأمريكي من دول منطقة اليورو وبريطانيا واليابان وأستراليا ودول أخرى. تتعمد الولايات المتحدة الاحتفاظ بسعر متدن للدولار بغية تشجيع الصادرات وبالتالي الحد من العجز التجاري. حسب مكتب الإحصاء الأمريكي, بلغ حجم العجز التجاري للولايات المتحدة عام 2006 تحديدا 818 مليار دولار.
الحد من ارتفاع الأسعار

بدورنا نرى لزاما منح كل دولة حرية اختيار السياسات المناسبة لمواجهة التضخم, وذاك نظرا لاختلاف الظروف الاقتصادية, بل وحجم المشكلة. على سبيل المثال, قررت كل من قطر والإمارات تحديد الزيادة السنوية في الإيجارات ضمن محاولات كبح جماح التضخم وكرد فعل مقابل الضغوط المجتمعية. فقد قررت السلطات القطرية تحديد ارتفاع قيمة الإيجارات بواقع 10 في المائة كحد أقصى سنويا ابتداء من عام 2006. بدورها قررت السلطات في إمارة دبي تحديد الزيادة السنوية للإيجارات عند مستوى 7 في المائة ابتداء من العام الجاري.
كما علينا أن نعي أن الظروف الاقتصادية ليست متشابهة في دول المنطقة. فوضع الاقتصاد يختلف من الاقتصاد السعودي الكبير (تزيد قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة على 300 مليار دولار) والقادر على الحد من الآثار السلبية لارتفاع الأسعار بطريقة أو أخرى. يتمتع الاقتصاد السعودي بقدرة متميزة على التصدير بدليل قوة الشركات السعودية في سوق الألبان في المنطقة. كما يتميز الاقتصاد السعودي بقدرة ديناميكية محليا (لاحظ ارتفاع حجم الطلب على المنتجات أثناء موسم الحج والعشرة الأخيرة من شهر رمضان المبارك).
لا خوف على الاتحاد النقدي
خلافا لما يذهب إليه البعض بدورنا لا نعتقد أن البيان الأخير يمثل تراجعا فعليا عن مواقف دول المجلس حيال مشروع الاتحاد النقدي المزمع إطلاقه عام 2010, بل إن الحديث عن تنفيذ مشروع الاتحاد النقدي سابق لأوانه في كل الأحوال. فالدول الأعضاء لم تنته بعد من تنفيذ مشروع الاتحاد الجمركي فضلا عن مشروع السوق المشتركة. وكنا قد أشرنا في مقال الأسبوع الماضي إلى توقع انتهاء العمل في الاتحاد الجمركي وبدء العمل في السوق المشتركة مع بداية عام 2008.
وكنا قد أكدنا غير مرة وعبر هذا العمود إلى عدم وجود الحاجة إلى الحديث حول الاتحاد النقدي في الوقت الحاضر, خصوصا بعد قرار عمان في نهاية عام 2006 بعدم الانضمام إلى المشروع الطموح. يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تتمثل في تقييد الدين العام بنسبة 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. كما على الدول التأكد من عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 21 في المائة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المائة. أخيرا المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات لمدة أربعة أشهر.
ختاما ندعو دول المجلس إلى مسايرة معدلات الفائدة في حال قرر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تغيير المعدل في اجتماعه الثلاثاء المقبل. يتوقع أن يقدم المجلس الاحتياطي على إجراء تغيير طفيف على المعدل إلى الأسفل لغرض تشجيع الاستهلاك والاستثمار المحلي. فعدم تغيير المعدل (أي وجود فرق في نسب الفائدة على المعاملات المصرفية بين العملة المحلية والدولار) يعني فيما يعني تشجيع المودعين على إيداع أموالهم بالعملة المحلية ومن ثم تحويلها إلى الدولار بسعر ثابت دون تحمل أي مخاطرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي