مخاطر حقيقية تهدد الجزائر

شهدت الجزائر خلال الشهور الأخيرة تصاعداً خطيراً في عدد ونوعية العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والذي حمل قبل ذلك وحتى بداية عام 2007 اسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال. وقد بدأ هذا التصعيد بالتفجيرين الانتحاريين اللذين وقعا في 11 من أيلول (أبريل) الماضي واستهدف أحدهما مقر رئاسة الوزراء في العاصمة بينما ضرب الثاني أحد مقرات شرطة مكافحة الإرهاب بها، وأوقعا نحو 30 قتيلاً وأكثر من 200 جريح. وفي بداية الأسبوع الحالي وفي خلال يومين فقط شهدت الجزائر تفجيرين انتحاريين كبيرين، وقع الأول في مدينة باتنة أثناء زيارة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لها، وكان يستهدف اغتياله وهو ما لم يتم بسبب اكتشاف الانتحاري قبل وقت قصير من مرور موكب الرئيس مما اضطره إلى تفجير نفسه، بينما استهدف الثاني ثكنة عسكرية لخفر السواحل في منطقة دلس شرق العاصمة الجزائرية، وأسفر الهجومان عن مصرع ما يقارب 60 شخصاً وإصابة أكثر من 200 آخرين.
ولا شك أن هذا التصعيد الخطير في العمليات الإرهابية في الجزائر يعود في جزء كبير منه إلى ذلك التحول المشار إليه في طبيعة واسم الجماعة السلفية للدعوة والقتال وانضمامها إلى تنظيم القاعدة بكل ما يعنيه ذلك من تغيرات فكرية وحركية. ولعل أبرز تلك التغيرات التي أدت لما يحدث الآن في الجزائر هو انتقال فتوى وأسلوب العمليات الانتحارية من القاعدة إلى الجزائر للمرة الأولى في تاريخها بهذا الاتساع، حيث إنها لم تعرف ذلك لا في ظل حرب التحرير التي خاضها شعبها ضد الاحتلال الفرنسي ولا أثناء الحرب الأهلية الدامية التي مرت بها من عام 1992 وحتى نهاية التسعينيات. كذلك فإن الإعلان عن تأسيس ذلك الفرع الجديد للقاعدة في منطقة المغرب انطلاقاً من الجزائر يبدو أنه مثل دافعاً قوياً للجماعة السلفية للدعوة والقتال لكي تدشن تحولها بأقصى الصور الإعلامية المدوية، وهو الأمر الذي دفع بها إلى القيام بهذه النوعية من العمليات الإرهابية التي استهدفت بعضا من أبرز وأهم الرموز السياسية والأمنية في البلاد بهدف جذب الانتباه إليها. وغير بعيد عن ذلك، فمن الواضح أن الجماعة الجزائرية التي أعلنت عن نفسها كقيادة لفرع القاعدة في منطقة الشمال الإفريقي وغرب إفريقيا ترمي من القيام بتلك العمليات الكبيرة المدوية إلى إثبات قدرتها كأكبر الجماعات والتنظيمات الإسلامية المسلحة في المنطقة بما يؤهلها لقيادة وتجميع من يشاركها الأفكار والتصورات منهم ضمن الفرع الجديد الذي أسسته لتنظيم القاعدة هناك.
والحقيقة أن تطور نوعية وطبيعة العمليات الإرهابية التي راح هذا الفرع الجديد للقاعدة يقوم بها في الجزائر وصولاً إلى محاولة اغتيال الرئيس بوتفليقة، يشير إلى دخول الجزائر إلى مرحلة شديدة الحساسية والخطورة يمكن أن تتطور إلى ما يهدد أمنها واستقرارها. فالوضع حتى الآن في الجزائر مقارنة بما شهدته في تسعينيات القرن الماضي يوضح أنه في هذه المرحلة السابقة وحينما اشتعل العنف وشمل كل شيء في البلاد، فهو كان يعبر عن حالة حرب وقتال يمارسها الجميع ضد الجميع في الجزائر دون تمييز أو تحديد. وقد تداخلت الأطراف وتغيرت مواقفها وتحالفاتها خلال تلك المرحلة بصور مختلفة وسريعة، وهو ما يفسر حدة ودموية ما جرى خلالها والعدد الهائل من القتلى الذي سقط فيها والذي لا يقل بحال عن 120 ألف قتيل ومئات الآلاف من الجرحى فضلاً عن الخسائر المادية والسياسية الهائلة. أما الوضع الحالي وحتى وقوع العمليات الإرهابية الأخيرة فقد بدا مختلفاً عن تلك المرحلة، حيث إن هناك طرفاً وحيداً يمارس العنف والإرهاب في الجزائر وهو الجماعة السلفية بشكلها الجديد في مقابل كل الأطراف السياسية الأخرى سواء مثلتها الدولة أو القوى السياسية والحزبية المعارضة والتي توقفت جميعها عن اللجوء إلى العنف.
أما بعد التطورات الأخيرة في نوعية وأهداف العمليات الإرهابية وخاصة محاولة اغتيال رئيس الجزائر، فإن تخوفات عديدة تبدو حقيقية من أن هناك أطرافاً أخرى في البلاد سواء بداخل جهاز الدولة أو بين القوى المعارضة تسعى لاستغلال هذه الموجة الإرهابية والدفع بها نحو إعادة الجزائر إلى حالة الفوضى والتقاتل الجماعي التي مرت بها خلال تسعينيات القرن الماضي. ولا شك في أن مثل هذا التحريض والتورط – إذا ثبتت صحته – من جانب هذه الأطراف، يمكن أن يؤدي إذا استمر وتفاعل مع الأزمات السياسية والاجتماعية الداخلية التي تعيشها الجزائر والأوضاع الإقليمية والدولية المشتعلة حولها إلى دفع الجزائر بخطوات سريعة نحو آتون الفوضى والعنف الشامل الذي دفعت فيه أثماناً غالية قبل عقد من الزمان. ولعل ليس هناك من وسيلة لمواجهة هذا السيناريو الخطير على مستقبل الجزائر وشعبها سوى إصرار الدولة الجزائرية بقيادة الرئيس بوتفليقة على الاستمرار في تطبيق نهج وميثاق السلم والمصالحة الذي بدأه قبل سنوات طويلة وإحداث أوسع مصالحات وانفتاحات سياسية بما يسمح بدمج جميع القوى السياسية الجزائرية الرئيسية في العمل السياسي الديمقراطي السلمي، ووضعها جميعاً مع الدولة في موضع المسؤولية والمشاركة في مواجهة ذلك الخطر الجديد الداهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي