كيف يمكن لخطبة الجمعة أن تكون مجدية فكرياً؟
شد انتباهي وتركيزي الموضوع الذي اختاره خطيب وإمام مسجد التقوى الكائن في حي المصيف في منطقة المرسلات في الرياض، لخطبة الجمعة بتاريخ العاشر من آب (أغسطس) 2007، الذي تناول فيه بأسلوب سهل ممتنع وتحليل راق ومقنع، الأسلوب الأمثل الذي يتوجب على المواطنين السعوديين التعامل به مع العمالة الوافدة ببلادنا، مشددا في ذلك على أهمية الوفاء بالحقوق والالتزامات والواجبات تجاهها، وفقما تمليه علينا الشريعة السمحة.
برأيي أن إمام وخطيب المسجد المذكور، قد وفق في اختياره موضوعا يحاكي حاجات المجتمع، ولا سيما أنه لامس أمراً مهما للغاية ركزت عليه السلطات المعنية في البلاد، ذلك المتمثل في التشديد على ضرورة أن يتعامل المواطنون في السعودية، مع العمالة الوافدة، التعامل اللائق الحسن، الذي يكفل المحافظة على حقوقهم وصيانتها وتجنيبها من أن تكون عرضة للانتهاك، الأمر الذي تطلب من وزارة العمل إصدار العديد من القوانين والتشريعات والتنظيمات التي تحث وتشدد وتكفل ذلك.
الجدير بالذكر في هذا الخصوص، أن من بين الإجراءات العديدة الجديدة والحديثة، التي اتخذتها وزارة العمل لضمان المحافظة على حقوق العمالة الوافدة في بلادنا، إنشاء إدارة للعمالة الوافدة تعنى بشؤونهم، إضافة إلى إصدارها اللائحة الخاصة بخدم المنازل، التي تحمي وتكفل لهم حقوقهم، كما أنها تعكف في الوقت الحاضر على إيقاف الاستقدام عن كل شخص أو مؤسسة يثبت لديها إساءته للعمالة الوافدة.
ما شد انتباهي كذلك في موضوع خطبة الجمعة سالفة الذكر، أنه جاء متناغماً ومحاكياً لمضمون المادتين (41)، و(47)، من النظام الأساسي للحكم، اللتين كفلتا للمقيمين ببلادنا التمتع بالضمانات، التي يتمتع بها المواطن السعودي، وبالذات فيما يتعلق بحق اللجوء للقضاء، كما أن الخطبة نجحت برأيي في التنبيه ومناصحة المواطنين، الذين يستغلون موضوع الكفالة الاستغلال السيئ، بالشكل الذي يتنافى صراحة مع مضمون قرار مجلس الوزراء الموقر رقم (166) الصادر بتاريخ 12/7/1421، الذي أكد في مادته السادسة على الجهات المختصة بضرورة الحزم مع كل صاحب عمل يثبت أنه قد تسبب في تعليق الأوضاع المالية للعمالة الوافدة المالية المسجلة لديه نظامياً، أو الذي يعمل على تأخير أجورها أو مستحقاتها أو أخذ مبالغ مالية مقابل إنهاء إجراءاتها.
ما شد انتباهي كذلك في الخطبة، ذكاء الإمام البارع وفطنته المعهودة عنه، في اختياره آيات كريمة من كتاب الله العظيم، لها علاقة مباشرة بصلب الموضوع، وتلاوتها بشكل جميل ومؤثر، عزز من رسائل ومضامين ومفاهيم الخطبة، وكانت بمثابة دافع قوي للامتثال لما تمليه علينا شريعتنا السمحة فيما يتعلق بالتعامل مع الغير سواء مع العمالة الوافدة أو من غيرها.
برأيي أن موضوع تلك الخطبة وما شابهها، يجب أن يكون مثالا يحتذى به من قبل جميع أئمة وخطباء المساجد في بلادنا، ولا سيما في ظل متغيرات ومستجدات العصر، التي تشهدها بلادنا، والمشكلات الاجتماعية العديدة التي يعيشها مجتمعنا، التي أشار للبعض منها الدكتور عبد الله بن محمد الفوزان أستاذ علم الاجتماع في مقال نشر له في جريدة "عكاظ" في العدد (1772)، بعنوان "يا خطباء الجمعة ... أين أنتم من واقع الناس؟"، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، العنف ضد الزوجات والأبناء وكبار السن والمخدرات والمسكرات والفقر والبطالة والتسول والطلاق والعنوسة والغش والرشوة والاحتيال والإرهاب وتكفير المسلمين والغيبة والنميمة ومخالفة الأنظمة وخلافه، مطالباً خطباء المساجد بضرورة نشر آداب التعامل الصحيح بين الإنسان وأخيه، مشيرا في ذلك إلى أن أغلب خطب الجمعة أبعد ما تكون عن واقع الناس ومعاشهم اليومي، حيث ما زلت هي في واد وواقع الناس في واد آخر، الأمر الذي استنتجه من خلال إجرائه لاستفتاء عام لطلابه في الجامعة، بسؤالهم عن مدى تأثير ومساهمة خطب الجمعة في تشكيل سلوكياتهم، والذي جاءت الإجابة عنه على حد قوله مفزعة للغاية، أن خطب الجمعة ليس لها تأثير يذكر في حياتهم على الإطلاق، ما يؤكد ذلك الخلل الواضح في مضامين خطب الجمعة.
الدكتور توفيق بن عبد العزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، أكد في حوار صحافي له أجرته معه جريدة "عكاظ" في العدد ( 1873)، أن الوزارة تعكف في الوقت الحاضر، على تنفيذ مشروع كبير لتأهيل خطباء المساجد، بما يتوافق مع مستجدات ومتطلبات وحاجات الناس المتجددة، من خلال إعطائهم دورات مكثفة وقصيرة، بدأت بمنطقة الرياض، لمعالجة أخطاء الخطبة، حيث إن بعض هذه الدورات يهتم بجانب كيفية التواصل مع المصلين وأسلوب وطريقة الإلقاء المثلى، كما أكد الدكتور السديري في سياق حواره المذكور، أن معالي وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ خلال جولاته التفقدية العديدة لمختلف مناطق السعودية، والتي التقى من خلالها عددا من أئمة وخطباء المساجد، أكد ضرورة اختيار موضوعات خطبة الجمعة بدقة وعناية.
أخيراً وليس آخرا برأيي أن نجاح خطبة الجمعة، سيظل أمراً مرهوناً بالموازنة بين أطراف المعادلة ثلاثية الاتجاهات والأبعاد، المتمثلة في الخطيب وقدرته على الإلقاء وإقناع المصلين، وموضوع الخطبة، وكما أسلفت الذي من المفترض والبديهي أن يحاكي واقع الناس ويلامس احتياجاتهم العصرية، وجمهور المصلين الذين يتوجب عليهم الاحترام والتقدير لمضامين الخطبة، والامتثال بما يرد بها من نصح وإرشاد، متوافق بطبيعة الحال مع مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة.
في رأيي أيضا أن هناك ضرورة ملحة إلى جانب تطوير قدرات ومهارات أئئمة وخطباء المساجد، المرتبطة بفنيات الإلقاء والإقناع، لابد من تهيئة المساجد بالشكل الذي يمكن الأئمة من التأثير على المصلين، الأمر الذي قد يتطلب ومن وجهة نظري تزويد المساجد الرئيسية في بلادنا بأحدث تقنيات شبكات الاتصال العصري، التي تستخدم في إلقاء الخطب والندوات ما يعرف بـ Audio & visual communication Systems ، مثال شاشات العرض (البلازما)، التي تتيح لأئمة المساجد عرض النقاط الرئيسية لخطبهم بواسطة جهاز الكمبيوتر واستخدام نظام الباوربوينت PowerPoint، وأيضاً برأيي أن تطوير آليات عمل المساجد في بلادنا، يتطلب استحداث نظام آلي للترجمة الفورية للخطبة بعدد من اللغات الدارجة الاستخدام بين العمالة المسلمة الوافدة في البلاد، كاللغة الإنجليزية مثلا وغيرها، بحيث يمكن ذلك المصلين المسلمين (من غير المتحدثين باللغة العربية)، متابعة أحداث الخطبة والتدبر والتمعن في مضامينها، وبهذا نكون قد نجحنا في تعميم الفائدة بموضوع خطبة الجمعة على الجميع، وبالله التوفيق.