البطانة الفاسدة

[email protected]

يعبر مصطلح (البطانة) عن الأشخاص الذين يحيطون بالمسؤول والبعض يستبدل هذا المصطلح بآخر وهو الحاشية أي مرافقو المسؤول، وسواءً كان الأمر مرتبطاً بالمحيطين أو المرافقين فلكليهما أدوار متشابهة فهم الذين يلجأ إليهم المسؤول للمشورة وفي بعض الأحيان يبادرون هم بتقديمها.
ومن المتعارف عليه في بعض الدوائر الحكومية والشركات الخاصة أن لدى المسؤول بطانة يحبهم ويحبونه ويبوح لهم بأسراره ويجتمع بهم في كل صغيرة وكبيرة ويدعوهم ويدعونه في كثير من المناسبات سواءً أكانت رسمية أم غير رسمية ويجعلهم من فريق عمله عند قيامه برحلات عمله فهم البطانة التي تحيط به بل هم (الشلة) ويمكنه الاتصال بهم في أي وقت وفي أي مكان.
هذه البطانة هي مربط الفرس لدى بعض الجهات بل هي العنصر الرئيس الذي يمكن أن يقيم من خلاله المدير، فالناس في كثير من الأحيان لا يسألون عن الشخص بل يسألون عمن حوله ومن يستشير ومن هم بطانته فالمدير لا يستطيع أن يتخذ قراراته بمعزل عن الآخرين وهو كمسؤول لا يستطيع العمل بمعزل عن فريق عمله، ولذلك فإن تقييم البطانة أمر مهم وحساس للغاية ويجب على كل مسؤول أو مدير أن يعمل على مراجعته فلا يدع هذه البطانة هي التي تدير المنشأة وتسيطر عليها وتتخذ القرارات المهمة نيابة عنه.
وفي بعض الأحيان تلجأ هذه البطانة الفاسدة إلى استغلال ثقة المدير فتعمل على اتخاذ القرارات نيابة عنه بل وأحياناً تورط المدير في قرارات من الصعب التراجع عنها مستغلة في ذلك ثقة المدير أو ضعف شخصيته مما يساهم في فشله، وكثيراً ما تحرص هذه البطانة الفاسدة على أن تصب هذه القرارات في مصلحتها المباشرة أو غير المباشرة، وقد تنقسم إلى فئات إذا ما اختلفت المصالح وهنا يقف المدير منقسماً بين فريقين لا يعرف إلى أيهما يتجه ويعتمد في قراره على قوة الفريق وقربه.
وقد تختلف آراء الناس حول بعض المديرين فتراهم يشيدون بالمدير ويمقتون بطانته ويبرز هنا سؤال كبير: هل يقوم المدير باختيار بطانته أم تفرض عليه فرضاً؟ فعادةً ما يشيد الناس بالمسؤول ويثنون عليه وبعد ذلك يلحقون هذا الثناء بقولهم لو كانت لديه بطانة صالحة لتغير الكثير من الأمور فليست المشكلة في المدير بل فيمن حوله وهذا أمر عجيب فهل يمكن أن يجبر المسؤول على بطانة فاسدة؟ أم أنه هو الذي يختار بطانته بملء إرادته، وعلى الرغم من أن بطانة الشيء هي داخله المحيط به وهي تعد جزءاً مخفياً إلا أنها اليوم ومع هذا الانفتاح الإعلامي أصبحت ترى قبل أن يرى المسؤول نفسه وهي قد تكون من بيئة واحدة أو منطقة واحدة أو مجموعة ذات توجهات وأفكار متشابهة أو ثقافة واحدة وهذا النوع من البطانة يعمل على أن يمكن لبعضه البعض فينتشر ويتغلغل بل إنه يعمل على توريث مكانها من يسبحون في فلكها ولا يدعون فرصة لمن يخالفهم أن يقترب من المسؤول أو حتى يتحدث معه.
لقد أصبح منصب (من البطانة) أهم من منصب المدير نفسه فكم من فرد لم تكن له قيمة وعندما أصبح فجأة (من البطانة) صار له شأن ويمكنه أن يصنع ما يشاء دون أن يكون محاسباً بل إن هيبته قد تكون أكبر من هيبة المدير نفسه فهو المستشار وهو الناصح وهو الذي يعرض الأمور على المسؤول فإن شاء أبقاها كما هي وإن شاء حرفها وأولها ونسج من المؤامرات والحيل ما يشاء بما يتناسب مع مصالحه ورغباته، فكم ساهمت البطانة في فصل موظف مظلوم وإقصاء آخر من منصبه وترشيح غير الأكفاء للمناصب وحرمان الأكفاء منها وإعاقة ترقيات موظفين كانوا ينتظرونها منذ سنين ومنع معاملات من العرض على المسؤول على الرغم من أن أصحابها في أمس الحاجة إليها، وكم قامت البطانة بتأخير مشاريع وإلغاء أخرى وإلصاق تهم بأبرياء وإدخالهم السجن وتبرئة ظلمة وفاسدين.
إن أمر البطانة أمر عظيم فهي إما أن تكون عامل بناء وتنمية وتطوير وإما معول هدم ووكر حقد وغل وتزوير، فيجب على المديرين والمسؤولين أن يهتموا بأمر البطانة وأن يسعوا إلى إبعاد البطانة الفاسدة عنهم والتخلص منها واستبدالها ببطانة من أهل الخير والحق والعدالة والكفاءة والاستقامة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي