آلة الحرب الأمريكية وآثارها في الاقتصاد العالمي
بعيدا عن الخسائر في الأرواح البشرية وفقدان الأمن والاستقرار وانتشار الإرهاب واستمرار الفوضى والتهجير العرقي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان جراء التدخلات غير العادلة والاستغلالية من قبل السياسة الأمريكية. وأيضا بعيدا عن نظرية المؤامرة التي تشتهر بها منطقتنا العربية، هل نستطيع القول بأن استمرار الحروب الأمريكية أصبحت تشكل خطرا واضحا على الاقتصاد العالمي؟
فمنذ قررت أمريكا شن حروبها الحالية ارتفعت وتيرة المضاربات في أسواق السلع والخدمات على عقود النفط والطاقة ما رفع أسعار البترول إلى مستويات قياسية أصبحت تحد من استمرار نمو الاقتصاد العالمي. وفي هذا السياق طبق أعضاء في الكونغرس الأمريكي المثل القائل .. "ضربني وبكى وسبقني واشتكى " حيث تم تمرير مذكرة لإقامة دعوى قضائية ضد دول الأوبك بسبب ارتفاع أسعار النفط !! بل هم يتعمدون عدم النظر إلى تأثير نقص المعروض من المواد المكررة مثل الديزل والبنزين في الأسعار، ويحاولون توجيه غضب المستهلك في الشارع الأمريكي نحو العرب وأوبك. فيا حضرات أعضاء الكونغرس أرجو أن يقدم لنا أحدكم مذكرة أو (وريقة من قرطاس) يوضح لنا بها حجم استهلاك آلة حربكم بدباباتها وهمراتها وطائراتها من المواد المكررة كالبنزين والديزل خلال السنوات الأربع الماضية؟ والغريب أنه وبالرغم من ارتفاع نسب استهلاك الجيوش الأمريكية من المواد المكررة وما تسببت فيه من نقص في المعروض ودفع أسعار الجالون إلى ما فوق 4 دولارات استمر بعض أعضاء الكونغرس في المطالبة بالحد من بناء مصافي التكرير!!
فالكل يعلم بأن استمرار ارتفاع أسعار النفط له تأثير سلبي ويحد من نسب النمو في الاقتصاد العالمي خصوصا لدول مثل الهند والصين واليابان وبشكل أخطر للاقتصادات الناشئة الأخرى كفيتنام ودول الشرق الأوسط. بالمناسبة حتى الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط والتي تنتعش اقتصاداتها على المدى القصير سوف تدفع لاحقا ثمن هذا الارتفاع في أسعار النفط. ولا أقصد هنا من خلال لعبة سياسية تخلق التوتر وينتج عنها سباق في التسلح بل من خلال الموت الاقتصادي البطيء بسبب التضخم وشفط السيولة لربطها باستثمارات غير منتجة ولا تمكننا من تنويع مصادر دخل اقتصاداتنا الوطنية.
وبالعودة لموضوعنا وهو تأثير آلة الحرب الأمريكية في الاقتصاد العالمي نرى اليوم أن أسواق المال العالمية من أقصى الغرب إلى طوكيو وشنغهاي مرورا بإسطنبول ودبي تعيش حالة ارتباك بسبب انفجار فقاعة السيولة في سوق الرهن العقاري الأمريكي. فما السبب الحقيقي وراء أزمة السيولة في أسواق المال العالمية وتدهور أسعار البورصات الدولية؟ هل تعتقد - عزيزي القارئ - مجرد تعثر شريحة الفقراء الأمريكان من المقترضين عبر (sub-prime mortgages) سندات العقار الأمريكية يتسبب في زلزال خطير نتجت عنه خسائر بمئات المليارات من الدولارات في بورصات الأوراق المالية حول العالم؟ حتى يفيق البشر على أزمة سيولة خطيرة لم نر منها الأسوأ بعد، حيث قامت صناديق استثمار متخصصة وصناديق تحوط عالمية بامتصاص حجم سيولة ضخم يفوق بعدة أضعاف ما يحتاج إليه قطاع الرهن العقاري لشريحة الفقراء في أمريكا !! والسؤال الحقيقي أين تبخرت السيولة الفائضة التي لم تستثمرها الصناديق في الرهن العقاري لشريحة الفقراء؟ وحسب ما نشر في بعض التقارير الأوروبية أن التحقيقات الرسمية كشفت أن هناك استغلالا منظما للاقتراض عبر الرهن العقاري من خلال قيام مكاتب متخصصة وسماسرة لتعبئة طلبات القروض و"تبييض" سجل المقترض وتلميعه لكي يحصل على عدة قروض !! وقد تكون هناك مئات من القروض العقارية لأسماء وعناوين وهمية حصل أصحابها على تريليونات الدولارات، فمن أين تأتي كل تلك السيولة؟ لك أن تتابع - عزيزي القارئ - مدى تطور الهندسة المالية وقدرة خبراء أسواق الأوراق المالية على ابتكار المشتقات والأدوات الاستثمارية وكذلك قدرتهم على تسويقها حول العالم. إذن هل نستطيع الربط بين أزمة السيولة في أسواق المال العالمية وبين السيولة التي تمتصها آلة الحرب الأمريكية التي كلفت أمريكا ما يزيد على تريليوني دولار بنهاية العام الماضي.. وهل الجندي المجهول هنا هو صاحب الطلب الوهمي للقرض أو الرهن العقاري؟
وفي الختام هل يعي المستثمرون أفرادا وصناديق عائلية أو شبه حكومية المخاطر الكامنة في داخل منتجات وأدوات استثمارية يقوم بتسويقها خبراء تسويق عالميون في ردهات فنادق الخمسة نجوم، والمضحك أن بعض تلك المنتجات المركبة توحي بأنها تضمن رأس المال للمستثمر .. ففي ظل أزمة السيولة الحالية أين هي تلك الجهات التي قامت بضمان رأس المال ؟
عضو جمعية الاقتصاد