كيف نعالج تخلفنا السياحي؟
شد انتباهي مقال جريء للكاتب سعود المقبل، بعنوان "هل نحن متخلفون سياحيا؟"، نشر في "الاقتصادية" في عددها رقم 5046، الذي أوضح من خلاله أسباب التخلف السياحي التي يعانيها ويتصف بها أفراد المجتمع السعودي.
من بين صور ونماذج التخلف السياحي التي يعانيها السائح السعودي مقارنة بالسائح الأجنبي، وفق ما أشار إليه الكاتب في مقاله المذكور، أن السائح السعودي يفتقد الثقافة السياحة، مستشهدا بذلك أن السائح الأجنبي يصحو باكراً ليزور المتاحف ويتجول في الأسواق الشعبية ويستطلع ثقافة البلد أو المدينة التي يزورها، ويشاهد آثارها ومورثها ويتفاعل مع فلكلورها وتراثها الشعبي، ليزيد من خلال ذلك من حصيلته الثقافية، بينما السائح السعودي فلا تجده إلا في المجمعات التجارية والحدائق والملاهي والمطاعم، هذا بالطبع العاقل منهم وحدث ولا حرج عن السلوكيات المرفوضة التي يتصف بها الكثيرون من سائحينا خاصة الشباب.
هذا التخلف السياحي الذي يعانيه السائح السعودي يكلف الاقتصاد السعودي في كل عام نحو 54 مليار ريال، متمثلة في حجم المبالغ التي ينفقها السعوديون على السياحة والسفر في الخارج.
في رأيي إن هذا التخلف السياحي الذي يعانيه السائح السعودي بشكل خاص، والذي تعانيه بلادنا بشكل عام، نتاجه وسببه الرئيسي ضعف آليات التنظيم والتشريعات الخاصة بتطوير القطاع السياحي في بلادنا، على الرغم من توجه الحكومة السعودية الواضح نحو تنمية ذلك القطاع، الذي استلزم إنشاء الهيئة العليا للسياحة بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (9) وتاريخ 12/1/1421هـ، التي من بين أبرز أهدافها تنظيم القطاع السياحي في البلاد والعمل على تنميته وتطويره التنمية والتطوير الشاملين، بما يكفل استغلال المقومات والإمكانيات السياحية المتوافرة، وبما يحقق كذلك زيادة الدخل وتنوع الإنتاج وإيجاد فرص عمل للمواطنين.
هذا التناقض الواضح بين رغبة الحكومة السعودية في الارتقاء بأداء القطاع السياحي في بلادنا، وبين ضعف آليات التنفيذ، خلق فجوة واضحة وهوة كبيرة، بين ما يطمح إليه ويتطلع له المواطن السعودي من تحسين وتطوير للقطاع، وبين حقيقة ما يلمسه على أرض الواقع، حيث إنه لا تزال جميع المدن السياحية في السعودية بلا استثناء تفتقر وتعاني ضعفا شديدا في نوعية وتعدد الخدمات السياحية التي يحتاج إليها السائح السعودي والأجنبي على حد سواء، ولعلي أضرب مثالا على ذلك لعدد من المواقع السياحية، التي قمت بزيارتها أخيرا في منطقة عسير وبالتحديد في مدينة أبها، وهي: عقبة الضلع في حي الضباب، وبحيرة السد، والجبل الأخضر، هذه المواقع على الرغم من امتلاكها للعديد من المقومات السياحية الممتازة، إضافة إلى تمتعها بطبيعة خلابة وساحرة، إلا أنها وللآسف الشديد لم تحظ بالاهتمام الكافي من قبل الجهات السياحية المعنية بالأمر في المنطقة، من حيث اكتمال الخدمات السياحية المطلوبة، فعلي سبيل المثال لا الحصر، تفتقر عقبة الضلع، إلى أبسط التجهيزات والخدمات السياحية الأساسية، التي تتناسب مع طبيعة الموقع وتلبي في الوقت نفسه حاجات السائحين والزائرين للموقع، مثل أماكن نظيفة مخصصة للجلوس، ودورات مياه نظيفة، ومطاعم صغيرة، والخدمات الأخرى المكملة، أما بالنسبة لبحيرة السد، فالموقع لا يقل من حيث عدم الاهتمام بتطويره عن عقبة الضلع، وبالذات أنه يتميز ببحيرته الجميلة، التي يمكن لها أن تطور بالشكل الذي يجعل منها موقعا سياحيا متميزا في مدينة أبها، ولاسيما أن تطوير مثل هذه البحيرة، سيجنبها أن تكون عرضة ومرتعا وأرضا خصبة لنمو وتكاثر الحشرات، وبالذات البعوض، الذي قد يحول نعمة البحيرة إلى شقاء على أهل المدينة وروادها من الزائرين، مثلما هو واقع الحال المؤسف في بحيرة الأربعين الواقعة في محافظة جدة.
لعلي أضرب مثالا آخر بمنتجع سياحي جميل في بلادنا، هو وادي لبن في مدينة الرياض، الذي يفتقر هو الآخر إلى أبسط أساسيات التجهيزات السياحية الحضارية، الأمر الذي أكد عليه التحقيق الصحافي الذي أجراه منصور الحسين، في جريدة الرياض في العدد 14290، بعنوان "الإهمال يحول بحيرة وادي لبن من منتجع سياحي إلى مصيدة للزوار"، الذي أوضح أنه على الرغم من تميز الوادي بوجود حفر ضخمة يتجاوز عمقها الـ 20 مترا وطولها أكثر من متر، واختزانها لكميات هائلة من المياه، إلا أنه لم يحظ بالاهتمام الكافي الذي من الممكن جداً أن يجعل منه متنفسا سياحيا رائعا لأهالي مدينة الرياض.
في رأيي، إن الخروج من مأزق التخلف السياحي الذي تعيشه وتعانيه بلادنا، المتمثل بالتحديد في سوء وتدني مستوى الخدمات السياحية المتوافرة وعدم اكتمال البنية التحتية اللازمة للنهوض بالقطاع، لا بد للهيئة العليا للسياحة أن تركز على الجانب التطبيقي والعملي المرتبط بتطوير القطاع السياحي في البلاد، كما أن تطوير القطاع يتطلب في رأيي توفير دعم حكومي أكبر للمستثمرين السعوديين والأجانب في القطاع السياحي، أسوة بقطاعات أخرى حظيت في الماضي بدعم حكومي كبير كالقطاع الصناعي مثلا، كما أن الأمر يتطلب التغلب على العديد من المعوقات التي تعترض طريق تطوير القطاع كمشكلة صعوبة الحصول على التأشيرات السياحية، وارتفاع أسعار الطاقة، هذا إضافة إلى ضرورة منح المناطق والمحافظات صلاحيات أوسع لتطوير الواجهات السياحية المتوافرة في مناطقهم وفي محافظاتهم، بما في ذلك تفعيل دور المشغلين السياحيين أو ما يعرف بـ Tour Operators، وكذلك تحسين مستوى الخدمات التي تقدم للمسافرين على الطرق السريعة، وأيضاً محاولة الرفع من مستوى الوعي السياحي لدى السائحين السعوديين، بالذات المتعلق بتحقيق الأهداف الاستراتيجية المرتبطة بتنمية السياحة الداخلية، والله من وراء القصد.
مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية