التحديات الاستراتيجية للبنوك السعودية.. ماهي؟

[email protected]

شهد القطاع المصرفي السعودي في السنوات القليلة الماضية تغيرات كبيرة تمثلت في الترخيص وبدء نشاط عدد من البنوك الجديدة الوطنية، الخليجية، والدولية، بجانب رفع رؤوس الأموال وازدياد الاهتمام بتدشين عمليات البنوك الاستثمارية وإدارة الأصول. وبالنظر إلى البنوك الجديدة التي شرعت في مزاولة أعمالها نلاحظ أنه باستثناء بنك البلاد الذي ابتدأ أعماله بنحو 21 فرعا في عام 2005 وأخذ عدد فروعه في الارتفاع ليصل إلى 41 فرعا بنهاية الشهر الماضي، فإن البنوك الخمسة الأخرى كبنك الخليج الدولي، بنك الإمارات، بي إن بي باريبا، بنك الكويت الدولي، ودويتشه بنك اقتصرت على افتتاح فرع واحد، وفرعين في حالة بنك الخليج الدولي.
ولعدد الفروع التي قررت هذه البنوك الجديدة افتتاحها عدة دلالات، منها إيضاح التوجه الاستراتيجي في السوق السعودية، تحديد السوق المستهدف، وبلوغ تناسب منطقي بين العمليات المصرفية المزمع القيام بها وتكلفة هذه العمليات. فمن ناحية التوجه الاستراتيجي، يلاحظ تفادي استهداف قطاع التجزئة المصرفية ممثلا بالخدمات الشاملة للأفراد - ويستثنى هنا بنك الإمارات الذي لا يتناسب وجود فرع واحد له مع تقديمه خدمات الأفراد، بينما يبرز التركيز على خدمات الشركات بجميع أنواعها الائتمانية والاستثمارية كترتيب القروض المجمعة Syndicated Loans، المنتجات الاستثمارية والتحوطية المركبة، إدارة الثروات الخاصة، وخدمات البنوك الاستثمارية كعمليات الدمج والاستحواذ، الاستثمار الخاص في شركات دولية، والطرح العام الأولي ورفع رأس المال، بجانب منتجات مصرفية أخرى تتميز بارتفاع العائد وقلة عمليات المساندة المطلوبة لإتمامها.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن عمليات ائتمان الشركات والائتمان المجمع التي تقوم بها البنوك الأجنبية للشركات السعودية ليست جديدة، حيث إنها كانت تقوم بهذه العمليات من خلال مكاتب إقليمية حيناً، وبالتعامل مع المكاتب التمثيلية للشركات السعودية في الدول الأجنبية. وعليه، فالجديد في نشاطات البنوك القادمة هو اقتحامها قطاع البنوك الاستثمارية وخدماتها، ما يدل على أن خدمات البنوك الاستثمارية تعتبر من النشاطات الواعدة في السوق السعودية لعدة أسباب، منها توافر العوائد النفطية والسيولة لدى شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال، تغير ثقافة هيكلة التمويل لدى القطاع الخاص السعودي بعد بروز سوق المال كرافد للتمويل ينافس الإقراض البنكي المهيمن على صيغ التمويل الأخرى في السنوات الماضية، وارتفاع الثقة في السوق المالية السعودية مع تأسيس هيئة السوق المالية وتسهيل إجراءات طرح صيغ ومنتجات التمويل المختلفة.
ولم تكن البنوك السعودية بمنأى عن فرصة الدخول في قطاع البنوك الاستثمارية الواعد، حيث قامت معظم البنوك بإنشاء أو تطوير وحدات البنوك الاستثمارية لديها كما يتضح من النتائج المالية القياسية التي حققتها هذه البنوك في السنتين الماضيتين - وعلى الخصوص في فترة ارتفاع سوق الأسهم - من وحدات البنوك الاستثمارية التي من ضمن أهدافها فصل هذه النشاطات والترخيص لها كبنوك استثمارية متخصصة.
وبمتابعة إفصاح البنوك السعودية عن نتائجها المالية للربع الأول من العام الحالي، نلاحظ أن نتائج معظم البنوك شهدت تراجعاً في أرباح الربع الأول من العام الحالي مقارنة بأرباح الربع الأول من عام 2006، حيث أشارت معظم البنوك إلى أن من الأسباب الرئيسية للتراجع انخفاض عوائد التعامل في سوق الأسهم ورسوم صناديق الاستثمار وغيرها. ويستثنى من نتائج البنوك السلبية للربع الأول نتائج البنك العربي الوطني الذي استشعر تأثير تراجع سوق الأسهم مبكراً في نهاية الربع الثالث من العام الماضي وقام بالتوسع في الإقراض الائتماني بشكل كبير جداً مقارنة بالبنوك الأخرى لتغطية تراجع عوائد الوساطة والمصرفية الاستثمارية، وقد ظهرت نتائج هذه السياسة في نتائج الربع الأول من العام الحالي. ومن المهم الإشارة إلى أن عوائد الوساطة وخدمات المصرفية الاستثمارية هي فورية التحقق مقارنة بالإقراض بصيغه المتعددة التقليدية والإسلامية، حيث إنها تصنف ضمن العوائد غير الممولة Non-Funded Income، لذا فالمخاطرة في مستوى العوائد شديدة الانخفاض مقارنة بعوائد الإقراض وتمويل الشركات بالنسبة للبنوك عموماً.
وبناء على الاستعراض السابق، من المؤكد أن خدمات البنوك الاستثمارية تشكل قطاعاً استراتيجياً للبنوك العاملة في المملكة ومصدراً للعوائد قد يؤثر في النتائج المالية، وبالتالي على القيمة السوقية. فالتراجع في عوائد الخدمات المصرفية الاستثمارية يعزى إلى تراجع سوق الأسهم والتعاملات بالدرجة الأولى، إلا أن تأثير الخدمات التي تقدمها البنوك الخمسة الجديدة للسوق السعودية على العوائد التي تحققها باقي البنوك من قناة الخدمات الاستثمارية وتصميم المنتجات الاستثمارية والتمويلية المختلفة يجب أن تؤخذ في الحسبان أيضاً. ومن المؤشرات إلى احتدام المنافسة في قطاع الخدمات المصرفية الاستثمارية الترخيص لما يربو على 40 شركة وساطة مالية تتنوع خدماتها وستقتطع حتماً جزءا من السوق المستهدف من قبل البنوك السعودية، على الرغم من أن البنوك السعودية ما زالت تحتفظ بميزة تنافسية تتمثل في توافر الموارد المالية، الخبرات، وشبكة العلاقات مع مجتمع الأعمال بجانب البنية التحتية. ومن وجهة نظري، أرى أن أداء شركات الوساطة المرخص لها سيتفاوت تبعاً لقدرتها على اختراق السوق، وستتم عمليات دمج واستحواذ فيما بينها ومع مستثمرين أجانب لتؤدي في النهاية إلى الوصول إلى العدد العادل اقتصادياً والأكفأ إدارياً والمقبول سوقياً.
وخلاصة القول، إن قطاع المصرفية الاستثمارية يشكل فرصة غير مسبوقة لنقل ثقافة التمويل وهيكلة رأس المال لقطاع الأعمال السعودي من الأساليب التقليدية إلى الأساليب المتقدمة التي تحقق توظيفاً أمثل للموارد، كفاءة أعلى في الأداء، وفرصة لتقليل المخاطر ستنعكس على معدلات الإنتاجية للاقتصاد الكلي، وستعبد الطريق لتحقيق شراكات استراتيجية بين قطاع الأعمال السعودي والمستثمر الوطني والأجنبي الذي يتطلع إلى خدمات مصرفية متقدمة وبالغة التعقيد تقلل من المخاطر وتزيد من العوائد، لتجعل الاستثمار في المملكة إغراء لا فرار منه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي