أهمية التحكيم لتسوية المنازعات الناشئة في سياحة "التايم شير"

تناولت في مقالتين سابقتين مفهوم وميزات نظام السياحة بالمشاركة في الوقت (عقد التايم شير) كوسيلة لترويج وتشجيع السياحة في السعودية، وكيفية تنظيمه من الناحية القانونية. وأتناول في هذا المقال مسألة تسوية المنازعات الناشئة عنه. إذ يُلاحظ أن انتشار هذا العقد في السعودية في الآونة الأخيرة يثير مسألة كيفية تسوية المنازعات القانونية الناشئة عنه؛ حيث تزاول بعض الشركات نشاط بيع وتسويق الوحدات السكنية على أساس الانتفاع بها مدة محددة من الزمن خلال العام، كما أن بعض المواطنين السعوديين وبعض المقيمين قد تعاقد مع تلك الشركات على أساس الانتفاع بالوحدات السكنية الموجودة بالسعودية أو في الخارج لقضاء الإجازة الصيفية بها.
ويُعتبرعقد التايم شير عقداً دولياًً، سواء بالنظر إلى اختلاف جنسية الأطراف المتدخلة في تنفيذه، أو لأن الشركات التي تقوم على شئون استغلال وإدارة القرى والمنتجعات السياحية بنظام اقتسام الوقت هي في الغالب شركات ذات نشاط عابر للحدود الدولية أو ما يعرف بالشركات المتعددة الجنسيات، أو لأن الاستثمارات الداخلة في هذا المجال هي استثمارات أجنبية آتية من الخارج في العديد من الأحوال. كما يُمكن أن يكون العقد دولياً بالنظر إلى الموقع الكائنة به الوحدة السكنية السياحية المستغلة بنظام المشاركة الزمنية، مع الأخذ بنظام التبادل الدولي للمدة الزمنية المخصصة لكل منتفع بهذا النظام، حيث ينتقل من دولته إلى دولة أخرى لقضاء إجازة خلال تلك الفترة.
ويترتب على تكييف عقد المشاركة الزمنية بنظام اقتسام الوقت بأنه عقد دولي ضرورة تحديد الجهة المختصة دولياً بالمنازعات الناشئة عنه.
وبالرجوع إلى نظام المرافعات الشرعية السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/ 21) وتاريخ 20/5/1421هـ يتضح أن القضاء السعودي يُمكن أن يختص بالفصل في المنازعات الناشئة عن هذا العقد، نظراً لأن جوهره هو الانتفاع بسكنى وحدة عقارية لمدة محددة، ومن ثم فإذا ثار نزاع بين المنتفع بهذه الوحدة السكنية والشركة التي تعاقدت معه ولجأ أحد الطرفين إلى القضاء السعودي فإن هذا الأخير يختص بالفصل فيه استناداً إلى القاعدة النظامية التي يقررها نظام المرافعات الشرعية السعودي والتي تقضي بأن تختص محاكم المملكة بنظر الدعاوى التي ترفع على غير السعودي الذي ليس له محل إقامة في المملكة، إذا كانت الدعوى متعلقة بمال موجود في المملكة، حيث يسري الاختصاص على المال بنوعيه العقار والمنقول. وقد أكدت هذه القاعدة العديد من الاتفاقيات الدولية الثنائية والجماعية التي وقعتها السعودية في مجال التعاون القضائي الدولي في المواد المدنية والتجارية مثل اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي لعام 1403 هـ واتفاقية تنفيذ الأحكام والإعلانات والإنابات بين دول مجلس التعاون الخليجي لعام 1415 هـ، كما أكدت أن الحكم الأجنبي الصادر من محكمة غير تلك التي يوجد بها موقع العقار غير قابل للتنفيذ أمام محاكم المملكة.
بل نص نظام المرافعات الشرعية في أكثر من موضع على أن محاكم المملكة لا تختص بالدعاوى العقارية المتعلقة بعقار واقع خارج المملكة.
ورغم أهمية هذا النص في تقرير الاختصاص للقضاء السعودي بالفصل في منازعات عقود الانتفاع بنظام اقتسام الوقت، باعتبارها عقودا متعلقة بعقار، وذلك في الفرض الذي توجد فيه الوحدة السكنية في الإقليم السعودي؛ إلا أنه لا يُسعف في إسناد الاختصاص للقضاء السعودي في الفرض الذي يكون فيه المنتفع بالوحدة السكنية أحد المواطنين السعوديين أو أحد الأجانب المقيمين بالمملكة ويكون العقار كائناً في دولة أجنبية؛ حيث يُصبح النص الذي يقضي باختصاص محكمة موقع العقار بكافة الدعاوى المتعلقة به عائقاً أمام اختصاص القضاء السعودي بالفصل في تلك المنازعات. ولذا فإننا نرى ضرورة تنظيم كيفية تسوية المنازعات الناشئة عن هذه العقود، وذلك بالنص في نظام التحكيم السعودي أو لائحته التنفيذية على جعل الاختصاص بتسوية تلك المنازعات للتحكيم التجاري الدولي. إذ لما كان هذا العقد يُعد من عقود التجارة الدولية، لذا فمن الثابت عملا عدم ملاءمة التنظيمات القضائية الوضعية لتسوية ما قد ينشأ عنه من منازعات، ولهذا يُمكن القول بأن التحكيم هو الوسيلة الأكثر ملاءمة لتسويتها، حيث يختار الأطراف قضاتهم، بمقتضى اتفاق أو شرط خاص مكتوب يُسمى اتفاق التحكيم ويسندون إليهم مهمة تسوية المنازعات التي قد تنشأ أو نشأت بالفعل بينهم. وقد تم تقنين القواعد التي تحكم التحكيم التجاري الدولي لدى العديد من الدول، ومنها نظام التحكيم السعودي.
ولا يكاد يخلو عقد من عقود التجارة الدولية من النص صراحة على إسناد الفصل في المنازعات التي تنشأ عن العقد إلى هيئة تحكيم خاصة، كما تتضمن عقود المشاركة بنظام اقتسام الوقت عادة نصاً يقرر أن كل نزاع ينشأ عن تطبيق هذا العقد أو تفسير أحكامه، ويتعذر تسويته ودياً خلال مدة محددة (ستون يوماً) يُحال إلى هيئة تحكيم تتكون من ثلاثة محكمين، يختار كل طرف محكماً؛ ثم يختار المحكمان المحكم الثالث الذي يكون رئيساًً لهيئة التحكيم. فإذا لم يتفق المحكمان على تعيين المحكم الثالث أو لم يقم أي من الطرفين بتعيين محكمه بعد مدة محددة (خمسة عشر يوما مثلاًً) من إخطار طالب التحكيم له فيكون لكل طرف الحق في أن يلجأ إلى أحد مراكز التحكيم التجاري الدولي المنظم مثل المركز الدولي للتحكيم التجاري بالقاهرة لتعيينه.
ولهذا نرى أن اهتمام المنظم السعودي بوضع تنظيم قانوني لنظام التايم شير سوف يُسهم في وجود بيئة قانونية سليمة يعمل فيها هذا العقد باعتباره أداة من أدوات تشجيع السياحة الداخلية، ويُدعمها كرافد مهم من روافد الاقتصاد الوطني.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي