رسالة الموظفين للمديرين بعد مقال الرطيان! (الشكوى لله)

[email protected]

تطور سوق العمل في السعودية يعتبر ضعيفاً نسبيا بالنسبة للانفتاح الاقتصادي و(هجمة) تأسيس الشركات المساهمة والأجنبية!
ففي الماضي، كانت الصورة بسيطة جدا حيث كان صاحب العمل، هو كل شيء ومن حوله أمين صندوق وعمال مستودع، أما اليوم فمنظومة الإدارات حولت الشركات إلى ما يشبه منظمات صغيرة، وظهرت شخصيات جديدة من الرئيس التنفيذي، والمدير التنفيذي، وكبير المديرين، ومديري القطاعات، وأصبح هؤلاء المديرون هم (الحكام بأمرهم) في مصير آلاف من الموظفين.
كل ذلك يعني أننا ماضون إلى مزيد من تعقد العلاقات بين (المديرين) و(الموظفين)، حتى إن معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي في اجتماعه الأخير بأعضاء غرفة جدة الأسبوع الماضي، تناول هذه الظاهرة، وتحدث عن السلوكيات غير المسؤولة لأصحاب العمل والمديرين، وذكر أن الوزارة لم تفرض حدا أدنى للأجور، لتعطي العامل ميزة العرض والطلب، ولكن إصرار أصحاب العمل على أن تكون الرواتب ما بين 1500 ـ 2000 ريال أساس (المشكلة)، مؤكدا أن هذا السقف ليس قائما على دراسة واقعية لسوق العمل، معتبرا أن سقف 2500 - 3000 ريال ربما يحدث تغيرا كبيرا في إقبال الشباب السعودي كبداية للعمل، فإذا تم استقدام عامل من الخارج براتب 1500 ريال يضاف إليها 52 في المائة مصاريف سكن وتذاكر ومصاريف حكومية وصلت تكلفة العامل إلى 2300 ريال.
والمثير أن لقاء وزير العمل تزامن مع مقال بعنوان شكوى المواطن و(الكاتب) محمد الرطيان يوم السبت الرابع من آب (أغسطس) في جريدة "الوطن"، والتي حددها في ثماني نقاط! في مقال الرطيان، كانت هناك جرأة ومصداقية، خصوصاً أن المسؤولين لم يتعودوا على سماع النقد، إذ لطالما ألفوا كلمات (سم طال عمرك).
لذلك نرى في تقرير وزارة الاقتصاد والتخطيط أن هناك 80 ألفا ما بين مدير ومسؤول، وهنا لو قدر لك وعملت مديراً لبنك أو شركة أو مصنع ستتأكد أن الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، إذ المطلوب منك وأنت تترأس مجموعة متباينة في القدرات والخبرات والسلوك والتكوين الثقافي والمعرفي أن تحقق نتيجة ممتازة أو فوق الممتازة وهنا يمكن اقتدارك وروعة إدارتك إذا وصلت إلى تلك النتيجة، وهناك شركات سعودية ومن بينها مجموعة مرعي بن محفوظ، شاركت في الاستبيان الذي أعدته (تيم وان) مع صحيفة "الاقتصادية" حول أفضل الشركات في بيئة العمل.
شخصياً، كنت الشخص المسؤول عن مراجعة ذلك الاستبيان، ومن خلال الدراسات التي أرسلت لي مع هذا الاستبيان اكتشفت أن ضغط العمل وسوء معاملة المسؤولين المباشرين لموظفيهم سببا من أسباب انهيار جهاز المناعة، والإصابة بأمراض نفسية مختلفة جراء التعاسة، والإحباط، والإحساس بالغبن!
وعلى رغم أن الاستبيان أجري على شريحة من الشركات الكبرى فإنني على ثقة أن المؤسسات المتوسطة والصغيرة مليئة ببؤر الغبن، قد تصل إلى أن يقول الموظف (أحس وأنا ذاهب إلى عملي صباحاً كأن حبلاً غليظاً يلتف على رقبتي ويسحبني عنوة إلى حيث مكتبي الذي تجلد فيه نفسي كل يوم وأنا غير قادر على الصراخ)! وهناك كثيرون يعذبون بين مطرقة حاجة العمل من أجل لقمة العيش وسندان سوء المعاملة، ومن الواضح أن معظم آلام موظفي المواقع المختلفة على اختلاف درجاتهم حجب حق الاعتراض، فالمديرون الكبار (خط أحمر) لا يتجاوزه الموظفون، عليه الالتزام بالتسلسل الوظيفي الذي كثيراً ما نقل وجهات مغايرة للحقيقة لكثيرين حرموا من حق شرح متاعبهم الوظيفية لمديريهم مباشرة، وإذا أصروا على مقابلة مديريهم لشرح مظلمتهم وصموا (بالمشاغبين)!
إن الحوار الحر بين الموظف ورئيسه لا يعني أبداً أن يتكلم المسؤول، بينما على فم الموظف قطعة (بلاستر)، حيث يؤكد الباحثون والمتخصصون في (علم الإدارة) أن هناك مفهومين: (الإدارة كعلم) و(الإدارة كممارسة) ولعل أبرز سمات الإدارة كممارسة الاستخدام الكفء والفعال للموارد البشرية، لتنتج وتحرز أهدافاً مرضية تحت سقف من حرية التعبير، والمساواة، والعدالة، وخلق روح التنافس بين المجموعات العاملة، وإفساح المجال لظهور المرؤوسين الأكفاء، ومساعدة العاملين على الوصول إلى الكفاءة في الدمج بين النظرية والتطبيق، ولن يتحقق هذا العمل إلا (بمايسترو) يجيد الموضوعية في استخدام وتوزيع الحوافز المادية والمعنوية.
هنا يخطر في بالي سؤال؟ ما ضير أن يخصص كل مدير إدارة يوماً في الشهر لعقد لقاء موسع بموظفي إدارته ليفتح حواراً حراً مع كل من يريد أن يعرض مشكلته أو ما يؤرقه؟ ما يضير أن يتحاور الرئيس والمرؤوس عيناً بعين ليقنع أحدهما الآخر تحت مظلة حوار ديمقراطي لا يُعاقب بعده أحد على الكلام.
إن موظفي أي إدارة في أي موقع كان يستحقون مثل هذا القرار الرائع الذي يدفع أول ما يدفع إلى تذويب الخلافات، وضخ كثير من الراحة النفسية التي تؤهل الجميع للعمل دون إحباط، العاملون في كل موقع عمل جديرون بتلك الجلسة المفتوحة التي تؤصل لروح التواصل، والتواد، والاستماع الباني للعمل الأجود دون وسائط.
وأقول لو أن أي مدير عام حاول إرسال (جواسيسه) ليجمعوا مظالم المنتسبين لإدارته من موظفين يصعب أن يصلوا إليه، لعادوا له بخير وفير، فمنهم من منع الترقية وغيره يركض صعوداً بالتوصية، ومنهم المغبون الذي لا يسجل تقريره السنوي حقيقة نشاطه الوظيفي، ومنهم المنسي، ومنهم المغضوب عليه، ومنهم من يقل ما يتقاضاه عن أقرانه لسبب غير مفهوم، ومنهم من خدم حتى بلغ من العمر عتياً ويتقدم عليه الملتحق حديثاً في كل امتيازات الراتب.
ومع ذلك كله، فإن الأمل معقود على قدرة نظام العمل السعودي على التطور لمجاراة واقع السوق وتعقد علاقات (المدير) و(الموظف) للحد من وقوع ظلم الأول على الأخير، كما أننا شهدنا في الآونة الأخيرة تدخل جهات حكومية، وآخرها هيئة حقوق الإنسان الحكومية، التي ألمحت في بيان لها، إلى جاهزيتها للتدخل في أي لحظة لمصلحة (الموظفين).
بيان هيئة حقوق الإنسان تناول ظروف العمل في فصل الصيف خصوصا، مستندة إلى المادة رقم 122 من نظام العمل، التي تنص على (على كل صاحب عمل أن يتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الأخطار والأمراض الناجمة عن العمل والآلات المستعملة ووقاية العامل وسلامته وعليه أن يعلن في مكان ظاهر في المنشأة التعليمات الخاصة بسلامة العمل والعمال وذلك باللغة العربية وبأي لغة أخرى يفهمها العمال عند الاقتضاء ولا يجوز لصاحب العمل أن يحمل العمال أو يقتطع من أجورهم أي مبلغ لقاء توفير هذه الحماية).
وأشار فيها الدكتور زهير الحارثي إلى أن هذه المادة تقضي بإلزام صاحب العمل بضرورة مراعاة جميع ما يحيط بالعامل من المخاطر سواء صحية أو معنوية أو ما شابه ذلك. وقال في فترة الصيف، التي تصل درجات الحرارة فيها إلى ارتفاعات قصوى فإننا نتطلع إلى أن تعي تلك المؤسسات مسؤولياتها تجاه العمال وعدم تكليفهم بأعمال من شأنها تعريض صحتهم للخطر، لا سيما في أوقات ذروة حرارة الشمس، مؤكدا أهمية إعطاء العمال حقوقهم المالية وتوفير الحماية الصحية لهم، مشيرا إلى أن هذا واجب ديني ووطني ترسخه الأنظمة والقوانين والاتفاقيات التي وقعت عليها السعودية.
ختاماً، إن صدور مثل هذا النظام سوف يصب في تعزيز الخطوات التي تقوم بها الجهات كافة من أجل إرساء حقوق الإنسان وتعزيزها، ومثل هذا القانون سوف يمنع كل الاجتهادات في تفسير مواد نظام العمل لصالح الموظف والتي تعني في النهاية لصالح المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي