عقد السلم وكيف يمكن الاستفادة منه في تمويل بناء الوحدات السكنية
E-mail: [email protected]
كما هو معلوم فإن عقد السلم هو أحد العقود التي نالت حجما كبيرا نوعا ما من الاهتمام في الفقه الإسلامي، فقد جاء عن ابن عباس، رضي الله عنه، قال قدم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال (من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه.
وكما هو معلوم فإنه يستخدم لمثل هذا النوع من العقود مصطلحان، الأول وهو الشائع في كتب الفقهاء، وهو مصطلح السلم وهذا عبارة عن اصطلاح يستخدمه أهل العراق في ذلك الوقت، في حين أن المصطلح الأقل استخداما في الفقه الإسلامي الذي ورد في حديث، النبي صلى الله عليه وسلم، وهو السلف، ويعتبر اصطلاح أهل الحجاز.
يعرف العلماء مثل هذا النوع من العقود أنه بيع موصوف في الذمة بثمن حال يعطى في مجلس العقد، بمعنى أن المتعاقدين يتفقان على أساس أن أحدهما يتعهد بتسليم سلعة معينة في زمن ما في المستقبل، على أن يتقاضى ثمنها من المشتري حين العقد.
وقد تناول العلماء في القديم والحديث باستفاضة مثل هذا النوع من العقود لما له من أهمية كبيرة في التجارة، وقد ذكروا له شروطا منها، أن تتوافر فيه شروط البيع العامة، لأنه يمثل أحد أشكال البيع، وأن يكون سداد الثمن حالا لكيلا يكون هناك تأخير في تسليم المبيع والثمن، ما يترتب عليه اعتبار العقد ضمن مفهوم بيع الدين بالدين، ومنها أيضا أن يكون الأجل معلوما وليس قابلا لأي نوع من الاختلاف، وأن يكون المبيع منضبطا بكيل أو وزن، أو عدد، أو ذرع كما يذكر الفقهاء.
عقد السلم من العقود الذي يذكر العلماء أنها استثناء من القواعد العامة للبيع، حيث أنه يتنافى مع أحد الشروط التي لا بد من توافرها في عقد البيع، والشرط هو ملكية المبيع قبل عرضه للبيع، حيث ورد عن، النبي صلى الله عليه وسلم، عن بيع الإنسان ما ليس عنده، بل نهى أيضا عن بيع الشيء قبل حيازته بعد البيع، ولكن كما ذكر أهل العلم أن هذا استثناء من هذا الشرط، وذلك لحاجة الناس إلى مثل هذا النوع من البيع.
يبقى لنا أن نتساءل عن كيفية الاستفادة من مثل هذا العقد لتمويل مشاريع الإسكان، التي تمثل اليوم هاجسا كبيرا للمجتمع، خصوصا أن أغلب التمويل ينصب في مجال تمويل شراء الوحدات السكنية، وليس في تمويل بنائها، وهذا من شأنه أن يجعل فجوة بين العرض والطلب، حيث سيزيد الطلب على الشراء لوجود الكثير من عروض التمويل للشراء، في حين سيقل العرض وذلك لعدم تكافؤ فرص التمويل.
من الممكن الاستفادة من مثل هذا النوع من العقود ألا وهو عقد السلم، بأن يتم تمويل شركات المقاولات أو شركات البناء بشكل عام على أساس أن يتم تسليم المبلغ المطلوب حالا على أساس أن تقوم الشركة بتسليم وحدات سكنية للمؤسسة المالية بسعر معين على أن يتم تسليم الوحدات السكنية في وقت متفق عليه.
وحين ندخل في تفاصيل مثل هذا العقد يمكن أن نقول إن تسليم هذه الوحدات السكنية خلال مدد طويلة نوعا ما، بمعنى أن يكون مثلا تسليم تلك الوحدات بشكل جزئي خلال مدد محددة، وذلك بأن يكون العقد يشمل تسليم 100 وحدة سكنية مثلا، على أساس أن يتم تسليم أول دفعة وتشمل 20 وحدة سكنية بعد سنتين، ومن ثم يتم تسليم 20 وحدة سكنية أخرى كل سنة أو سنتين بعد ذلك حسب الاتفاق، إلى أن يتم تسليم جميع الوحدات السكنية المتفق عليها، ويراعى في تسعيرة الوحدات السكنية أن تكون منخفضة نوعا ما عن السعر السائد في الأسواق، باعتبار أن المؤسسة المالية ستقدم التمويل وستنتظر مدة طويلة نوعا ما فلا بد من مراعاة ذلك لتحقيق فرصة هامش ربح أكبر في سعر بيع الوحدة السكنية بعد تسلم المؤسسة المالية لها.
الفائدة من مثل هذا النوع من العقود ستتحقق لكلا طرفي العقد ألا وهما المؤسسة المالية والمصرف، ولشركات البناء، فبالنسبة لشركات التمويل، ستحقق ربحا عند تسلم الوحدات السكنية، سواء تم عرض تلك الوحدات للبيع نقدا وذلك لتحقيق هامش ربح من خلال انخفاض السعر المقدم لها من قبل شركات البناء، أو أن تبيع الوحدات السكنية بعد تسلمها بالتقسيط، فيتم تحقيق هامش ربح أكبر من خلال زيادة السعر مقابل التأجيل.
أما بالنسبة لشركات البناء فالفائدة تتحقق لديهم، حيث إن تسليم الوحدات السكنية سيكون خلال فترات متباعدة، وخلال هذه الفترة تستطيع تلك الشركات أن تستفيد من هذا المال في إنشاء مشاريع خاصة بتلك الشركة.