تحية وتقدير إلى المحاسب القانوني لشركة بيشة الزراعية

[email protected]

بداية أود أن أعبر عن تعاطفي مع إخواني وأخواتي مساهمي شركة بيشة الزراعية في محنتهم، ونسأل الله العلي القدير أن يفرج عنهم جميعا كربتهم، إنه سميع مجيب. كما أود أن أوضح أنه لا تربطني أي علاقة بعبد الله شاهر القحطاني ولم يسبق لي التحدث معه أو لقاءه بشكل مباشر أو غير مباشر. كل ما يربطني به هو رابط الأخوة في الإسلام، ورابط المواطنة التي نتشرف جميعا بالانتماء إليها في هذا الوطن الغالي.
قررت كتابة هذا المقال للتعبير عن امتناني وتقديري تجاه مواطن سعودي يمارس عمله بمهنية، إلا أنه مع الأسف يواجه حاليا حملة غير مبررة من قبل مجلس إدارة شركة بيشة الزراعية ومستشارها القانوني بهدف إثنائه عن أداء واجباته المهنية، وهنا رأيت أنه من واجبي ككاتب في صحيفة محترمة أن أحييه وأقدر له صموده في وجه هذه الحملة من خلال قلمي المتواضع.

لكن ما قصة هذا الرجل ولماذا أوجه له التحية والتقدير؟
هو عبد الله شاهر القحطاني وهو محاسب قانوني شاء القدر أن تختاره شركة بيشة الزراعية ليكون مراجع الحسابات الخارجي الخاص بها، إلا أنه خلال عام 2006 تبين له أن الشركة لا تقوم بإعادة تقييم استثماراتها قصيرة الأجل والموجهة للمتاجرة بالأسهم في الربع الأول، الربع الثاني، والربع الثالث، ما يعد مخالفة صريحة للمعايير المحاسبية المعتمدة في المملكة، فقام بواجبه المهني من خلال وضع تحفظات على القوائم المالية نتيجة لذلك.
في المقابل، كان تبرير مجلس إدارة الشركة حينها أن النظام الأساسي للشركة ينص على أن عملية تقييم الاستثمارات قصيرة الأجل تتم فقط في نهاية كل عام، ما يعني تعارض النظام الأساسي للشركة مع المعايير المحاسبية المعتمدة والملزمة لجميع الشركات دون استثناء.
بعد إصدار القوائم المالية للربع الثالث 2006 واستمرار وجود تحفظات من قبل مراجع الحسابات الخارجي، قامت هيئة السوق المالية مشكورة بإلزام الشركة بإعادة إصدار القوائم المالية بهدف إظهار المركز المالي الصحيح للشركة، وكانت نتيجة ذلك أن بلغت الخسائر المحققة أكثر من 48 مليون ريال (96 في المائة من رأس المال) وفي حال تحقق الخسائر غير المحققة فإن إجمالي الخسارة سيتجاوز رأس المال!! هذا يعني أن الشركة دخلت مرحلة خطيرة قد تعرضها للإفلاس كما نص على ذلك نظام الشركات المساهمة، لهذا السبب قامت هيئة السوق المالية في كانون الثاني (يناير) 2007 بتعليق تداول سهم الشركة إلى أن تتمكن الشركة من تخفيض نسبة الخسائر إلى أقل من نسبة 75 في المائة من رأس المال.
بعد تعليق تداول سهم الشركة، لجأ مجلس إدارة الشركة ومستشارها القانوني إلى أسلوب جديد يتمثل بتفسير المعايير المحاسبية المعتمدة ونظام الشركات المساهمة والنظام الأساسي للشركة، حسب وجهة نظرهم الشخصية، دون الرجوع إلى جهات الاختصاص، حيث قاموا بإصدار القوائم المالية السنوية عام 2006 متضمنة معالجة محاسبية غريبة "لم يسبق للشركات الأخرى القيام بها" فيما يتعلق بتسجيل فائض المزاد على الأسهم غير المسددة للقسط الأخير بهدف إظهار أن الخسائر المحققة لا تتجاوز نسبة 52 في المائة من رأس المال. نتيجة لذلك، أبدى مراجع الحسابات الخارجي رأياً معارضاً، لأن هذه القوائم المالية لا تعكس المركز المالي للشركة بصورة عادلة، في حين قامت وزارة التجارة والصناعة بتأييد رأي مراجع الحسابات الخارجي وألزمت الشركة بإعادة إصدار القوائم المالية السنوية بما يتفق مع المعايير المحاسبية المعتمدة ونظام الشركات المساهمة والنظام الأساسي للشركة.
وبدلا من معالجة الوضع، تردد أخيرا على بعض وسائل الإعلام أن مجلس إدارة الشركة ومستشارها القانوني قاموا برفع قضايا ضد وزارة التجارة والصناعة وضد هيئة السوق المالية!! إلا أن المؤسف حقاً هو قيامهم أيضا برفع قضية لدى ديوان المظالم ضد مراجع الحسابات الخارجي الذي قام بواجبه الوظيفي على أكمل وجه!! إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فهو وضع محزن يوضح لنا العقلية التي تدار بها بعض الشركات المدرجة في سوقنا المالية، ولنتساءل: ما الهدف من رفع ثلاث قضايا ضد وزارة التجارة والصناعة وضد هيئة السوق المالية وضد مراجع الحسابات الخارجي؟ وما الخطأ الذي ارتكبه مراجع الحسابات بشكل محدد؟
إن القضية المرفوعة ضد مراجع الحسابات الخارجي وضعت هذا المراجع المغلوب على أمره أمام خيارين: إما تطبيق المعايير المحاسبية الملزمة على جميع الشركات، وبالتالي استمرار القضية ضده وإما خيانة أمانته الوظيفية حتى تتنازل الشركة عن القضية المرفوعة، وهي بلا شك مساومة فاضحة تثير أيضا تساؤلات عديدة منها: طالما أن الشركة لم تعترف برأيه المعارض، فلماذا لم يبذل مجلس إدارة الشركة جهوداً لتغيير مراجع الحسابات في ظل وجود أكثر من 300 محاسب قانوني مرخص لهم في المملكة؟ وفي حال تم تغيير مراجع الحسابات، هل سيجد مجلس الإدارة محاسبا قانونيا واحدا يصادق على معالجتهم المحاسبية الغريبة؟
إن ما يحصل لعبد الله شاهر القحطاني هو في الحقيقة "مأساة" بكل ما تعنيه هذه الكلمة، وليعلم أنه في بلد لا يقبل ولاة الأمر "حفظهم الله ورعاهم" فيه بالظلم على أحد، وليعلم أن القضاة في بلدنا يخافون الله، سبحانه وتعالى، ويتمتعون بالحكمة والعلم والنزاهة، وليعلم أيضا أننا جميعا نقف معه ونسانده، لأننا نحترم كل من يؤدي عمله بمهنية وإتقان تام كما أوصانا بذلك خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد "صلى الله عليه وسلم" .. وإن الله مع الصابرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي