اهتفوا مع الأغنام (ما..ما..ما..)

في مقالة سابقة ذكرنا – أن الرقم الأول – عن أهم الحاجات الفسيولوجية هي حاجة الإنسان "للهواء" – "فالنفس" من دون تنفس "تفطس" ... أما – الرقم الثاني- فهو حاجة الإنسان (للماء) – وصدق الله العظيم (وجعلنا من الماء كل شيء حي)... وقوله عز وجل (ولو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً عذبا). ولما بلغت القلوب الحناجر من شح المياه وانحباس المطر أيام الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) دعا ربه عز وجل قائلا: [اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل].

وأحسن أنواع المياه هو "الماء الزلال" للإنسان الطبيعي، أما الإنسان (المريض) فيكون كما وصفه المتنبي:
ومن يك ذا فم مر مريض *** يجد مراً به الماء الزلالا

وإذا كانت (روح الإنسان تروح) خلال دقائق متى ما فقد الهواء، فإن روحه أيضا تطير إلى بارئها من "الظمأ" بعد بضعة أيام.

ولأن الماء تتوقف وفرته وكثرته على عوامل المناخ التي تختلف باختلاف تضاريس المكان والزمان... فإن البراري والصحاري يكون العرض شحيحا فيها أو معدوما... وكان خوف أجدادنا جديا من (الصحاري) – والربع الخالي... لأن عبورها – أشد خطورة – من عبور كولومبس المحيط الأطلسي. وكانت الوسيلة الوحيدة لعبورها هي سفينة الصحراء – الجمل – (المطية) وكانت (المطية) في الصحاري لها قيمة عندهم أكثر قيمة من (حسين الدل) (الحسناء) .. ولكن "حسين الدل" في أيام الرخاء وعند الأهل أغلى من (المطية) كما عبر أحد (شبابهم) قائلا:-
لا كنت في أيام الرخاء عند أهاليك
شوفه (حسين الدل) تسوى المطية

وكان يرد على أبيه عندما سأله:
لا صرت بالصمان والقيظ حاديك
أيا حسين الدل وأي المطية

وعادة يكون "التاريخ الحضاري" للصحاري يتناسب مع شح المياه، ويكون مستواه (متدنيا)... بينما بلدان الغابات والأشجار والأنهار يكون الناس عادة (متفرغين) لصنع حضارات وإمبراطوريات.

ومثل الشح الحضاري في الصحاري "البرية" أيضا هناك شح حضاري في الصحاري الثلجية، فحضارة القطب الشمالي مثلا يمثلها الدب القطبي هذا قبل (العولمة) وقبل تنقية مياه البحار ونقله لكل مكان، وقبل تطويع الربع الخالي والصحاري في التنقيب عن البترول.

وقبل الاحتباس الحراري الذي سيطرد من سكان القطبين مائتي مليون إنسان، سيحتاجون حتما إلى مساعدات بالمليارات من الذهب والقناطير المقنطرة.. ولهذا شكلت فرق ماهرة في الرقص والغناء تقيم حفلات في كل مكان ويحضرها ملايين الناس هدفها (الاستغاثة) من (تلوث البيئة)!

والإنسان المعاصر يستهلك يوميا من الماء في البانيو والدش والسيفون و...و... أضعاف أضعاف ما يستهلكه (أسلافنا) حتى وقت قريب. لهذا فإن المياه دخلت في عالم المبيعات بأغلى الأثمان بعد أن كانت تباع بسعر رمزي وأحيانا (ببلاش)... وأخشى أن يأتي يوم نردد فيه مع الماعز والأغنام (ما... ما.. ما...ما...).

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي