Author

الانضمام إلى منظمة التجارة يحمي الوكلاء السعوديين من مساوئ السوق

|
لقد لوحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة التجارة في بعض السلع المستوردة من الخارج, مثل السيارات, من خلال ما يطلق عليه تسمية "السوق الرمادية", التي يقصد بها التجارة في سلعة معينة مستوردة من غير طريق الوكلاء المعتمدين رسميا في الدولة الذين يتمتعون باحتكار توزيع هذه السلعة, بحيث لا يجوز للمورد الأجنبي أن يمنح شخصا آخر في الدولة نفسها امتياز توزيعها, وإلا عدّ ذلك اعتداء على حقوق الوكيل المحلي الحصري. ويصدق هذا التعريف للسوق الرمادية بصفة خاصة على التجارة في السيارات, حيث تتفق كل شركة من الشركات العالمية المعروفة في مجال إنتاج السيارات وتوزيعها مع وكيل محلي وحصري لها في كل دولة من دول العالم على أن تورد له إنتاجها من السيارات بقدر حاجة السوق المحلية, فيقوم ببيعها بسعر محدد يتفقان عليه مقابل عمولة معينة, ويتمتع الوكيل باحتكار توزيع هذا النوع من السيارات في دولته, ويمتنع المورد عن إعطاء أي امتياز مماثل لوكيل آخر في الدولة نفسها أو عن توريد أي سلعة من النوع نفسه لمستوردين آخرين. ولكن يحدث أن يقوم بعض المستوردين المحليين باستيراد سيارات من الخارج من غير طريق الوكيل المحلي وإدخالها السوق المحلية بأسعار تقل عادة عن أسعارها لدى الوكيل الرسمي, لذا يرى هذا الأخير أن هذا العمل يشكل اعتداء على حق الامتياز أو حق الوكالة التجارية الحصري الممنوح له؛ كما يعد أمرا مخالفا لقانون الوكالات التجارية ولعقد الوكالة التجارية, ولا سيما أن الموديلات الجديدة من السيارات التي يتم استيرادها بهذه الطريقة الرمادية يتم طرحها في الأسواق المحلية بأسعار منخفضة قد تصل أحيانا إلى 80 في المائة من أسعارها لدى الوكلاء المعتمدين. وتشير بعض الإحصاءات غير الرسمية إلى أن نسبة الزيادة في هذا النوع من التجارة بلغت عام 1999 نحو 20 في المائة من مبيعات سوق السيارات في الإمارات, وبلغت واردات السيارات في دبي من البريمي وهونج كمونج نحو 600 سيارة في الشهر الواحد, بل وصلت هذه النسبة في سنوات لاحقة إلى ألف سيارة, أي ما يعادل 15 إلى 20 في المائة من الطلب على السيارات الجديدة في السوق الإماراتية, وهو أمر يلفت النظر, ويستحق الدراسة والبحث لمعرفة أسباب هذه الظاهرة ومخاطرها, والضوابط والإجراءات التي يجب اتخاذها للحد منها في المستقبل. والحقيقة أن ظاهرة السوق الرمادية ترجع إلى أسباب عديدة, أهمها: الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها اقتصادات دول جنوب شرق آسيا التي كادت تعصف بها, حيث تسعى الشركات فيها إلى التخلص من السيارات المخزنة لديها بسرعة وبأي سعر لتعويض خسارتها والخروج من الأزمة بأقل خسارة ممكنة, كما أن وجود بعض الوكلاء المحليين غير المعتمدين رسميا لدى موزعي السيارات العالميين ورغبتهم في استغلال الأزمات الاقتصادية وتحقيق أرباح طفيلية سريعة ساعدت على انتشار هذه الظاهرة. فهؤلاء يشبهون من يطلق عليهم تسمية "أغنياء الحرب". وهم أناس يتربصون بأوقات الحروب ويستغلون الظروف الاستثنائية التي يمر بها المجتمع في تلك الأوقات ويسعون إلى تحقيق أرباح غير مشروعة قانونا إما من خلال الاتجار في السلع الممنوع الاتجار فيها وإما من خلال تهريب أو احتكار السلع الضرورية وبيعها بأسعار مضاعفة لأسعارها الحقيقية. كما أن عدم وجود ضوابط محددة وجزاءات رادعة يمكن توقيعها على كل من يلجأ إلى استيراد السيارات وغيرها من السلع المستوردة من غير طريق الوكيل الرسمي المعتمد أسهم كذلك في وجود هذه الظاهرة, لأن الأصل طبقا لقوانين الاستيراد أن يكون من حق الشخص أو الشركة التي لديها ترخيص استيراد أن تستورد من الخارج في حدود ما تقره القوانين والأنظمة المعمول بها, ومن النادر أن يوجد ما يسمى شرط القصر, أي قصر نشاط المستورد على نوع محدد من السلع, بل الغالب أن يكون له الحق في استيراد مجموعة من السلع, فإذا كان مرخصا له باستيراد السيارات مثلا, فيصبح من حقه استيراد أي نوع منها دون تحديد. هذا إضافة إلى عدم وجود نصوص قانونية محددة تحظر تسجيل السيارات الجديدة غير الواردة عبر الوكلاء الرسميين, أي عدم وجود تدابير حمائية لهؤلاء. ومن أهم المخاطر الاقتصادية التي تترتب على ظاهرة السوق الرمادية أنها تسبب أضرارا للوكلاء المحليين المعتمدين, نظرا لأنها تشكل اعتداء على حقوقهم الممتازة التي يتمتعون بها بموجب الاتفاق المبرم مع الشركة الأصلية المنتجة والموزعة للسيارات, كما أنها يمكن أن تؤثر في الصناعات الوطنية الناشئة, لأن هذه الأخيرة تُصبح غير قادرة على منافسة السيارات المستوردة لكونها تُباع في السوق المحلية بأسعار منخفضة, بل تقل أسعارها أحيانا عن أسعار التكلفة في دولة المنشأ, وهذا لا شك سيؤثر تأثيرا سلبيا في الاقتصاد الوطني للدولة, إذ سيُحكم على الشركات الوطنية الوليدة بالإعدام منذ البداية, لأن المستهلك يسعى إلى الحصول على أفضل السلع المعروضة في السوق من حيث الجودة ومن حيث انخفاض السعر, وسيجد ضالته المنشودة لدى تجار السوق الرمادية, ومن ثم سيحجم عن شراء المنتجات الوطنية, فتصاب بالكساد والركود. ونتساءل: كيف يمكن الوقاية من هذه الظاهرة ومعالجتها؟ وهل الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية يمكن أن يقضي أو على الأقل أن يخفف من هذه السوق الرمادية؟ هذا ما سنجيب عنه في مقال لاحق, إن شاء الله.
إنشرها