رفع قيمة الريال .. بين السياسات ووسائل الإعلام (2 من 2)
الحلول كلها صعبة
الحل الأول يتمثل في إبقاء صرف سعر الريال مقابل الدولار كما هو مع التأكيد المستمر أن المملكة لا ترغب في تغيير سعر الصرف، وهو السياسة الحالية. في هذه الحالة ستنخفض المضاربات على الريال و ربما تنعدم. إلا أن الخسائر الناتجة عن الاستمرار في هذه السياسة مع استمرار انخفاض الدولار لا يمكن تجاهلها، والتي تتضمن انخفاض القوة الشرائية لدخل الفرد.
الحل الثاني يتمثل في رفع الريال بطريقة ما يتم فيها التخفيف من حدة المضاربات على الريال. يمكن أن يتم ذلك عن طريق إعلان مفاجئ برفع تدريجي بطيء جداً. لا حاجة في هذه الحال إلى خلق نطاق يتذبذب فيه الريال كما فعلت الصين بعملتها لأن الارتفاع التدريجي يقتضي بالضرورة أن يكون السعر عند الحد الأعلى للنطاق دائماً. طبعاً من شروط نجاح هذه السياسة أن تكون الزيادة في قيمة الريال أقل من أسعار الفائدة العالمية خلال الفترة نفسها حتى يتم منع المضاربين من المضاربة على الريال. و لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل تكاليف رفع الريال تساوي المنافع الضئيلة الناتجة عن زيادات بسيطة على مدى فترة طويلة من الزمن؟
الحلول مثل رفع كبير و مفاجئ و لمرة واحدة، غير مقبولة لأسباب كثيرة منها أن الرفع المفاجئ سيفيد فئات و قطاعات معنية على حساب فئات وقطاعات أخرى، كما أنه سيزيد من مستوى المضاربات كلما انتشرت إشاعات تفيد باحتمال رفع الريال مرة أخرى.
قد يرى البعض حلاً ثالثاً وهو فك ارتباط الريال بالدولار كلياً أو جزئياً، الأمر الذي يتطلب تعويمه أو ربطه بسلة من العملات. ولكن التعويم ليس حلاً لأن هناك إجماعاً لدى الخبراء في هذا المجال أن من أساسيات استقرار الاقتصاد في الدول التي تعتمد على مصدر واحد للدخل هو ربط عملتها بعملة رئيسة مثل الدولار. بعبارة أخرى، على الذي ينادون بفصل الريال عن الدولار أن ينادوا بتنويع مصادر الدخل أولا، ومتى تم تنويع مصادر الدخل فإنه من المنطقي أن تتم المطالبة بفصل الريال عن الدولار. أمر فك الربط جزئياً مثلما فعلت الصين لا فائدة منه لأنه، كما سلف، سيتحدد سعر الصرف في حالة ارتفاع الريال عند الحد الأعلى للنطاق، بينما سيتحدد سعر الصرف في الحد الأدنى من النطاق في حالة انخفاض قيمة الريال. الربط بسلة من عملات أمر ليس معقداً فقط، ولكن منافعه بسيطة إذا كانت أغلب تعاملات المملكة مع الدول الأخرى بالدولار. بعبارة أخرى، حتى لو تم ربط الريال بسلة من العملات فإنه سيكون للدولار نصيب الأسد منها، ليس فقط بسبب واردات المملكة من الولايات المتحدة، ولكن أيضاً بسبب العقود الدولارية مع دول أخرى في أوروبا وآسيا. قد يقترح البعض ربط الريال باليورو. هذا ليس حلاً لأن مساوئ ربط الريال بالدولار هي نفس مساوئ ربط الريال باليورو. كل ما هنالك أن اليورو ارتفع مقابل الدولار في السنوات الأخيرة، وهذه الأمور قد تتغير في المستقبل.
المشكلة الأساسية، التي ذكرت في مقال سابق، أن تغيير قيمة الريال مع كل تغير كبير في قيمة الدولار سيسبب تغيرات هيكلية في الاقتصاد. فرفع قيمة الريال سترفع حصة الاستهلاك على حساب الصادرات، بينما سيؤدي خفض قيمة الريال فيما بعد عندما يرتفع سعر صرف الدولار وتنخفض أسعار النفط إلى تخفيض حصة الاستهلاك في الاقتصاد. هذه التغيرات ستسبب تناقضات كبيرة توحي بأن السياسة الحالية لمؤسسة النقد هي أفضل الخيارات، خاصة على المدى الطويل.
علينا أن نتذكر أنه يمكن للدولار أن يرتفع ويرفع الريال معه. نظراً لأن ارتفاع الدولار يخفض أسعار النفط، فإن ارتفاع الدولار قد يقتضي تخفيض الريال. فإذا قامت مؤسسة النقد برفع قيمة الريال حالياً، فإنها ستضطر إلى تخفيضه في حالة ارتفاع الدولار وانخفاض أسعار النفط. الذين يطالبون برفع قيمة الريال عليهم أن يكونوا أكثر حذراً في مطالبهم لأن أكثر المنافع من رفع الريال تصب في صالح الأفراد وليس الاقتصاد ككل. فإذا ارتفع الدولار وانخفضت أسعار النفط فإن منطقهم يقتضي بالضرورة تخفيض قيمة الريال، عندها سنجد أن الأفراد سيخسرون، ولكن الاقتصاد ككل قد يستفيد. الأمر الأهم أن هذه التغيرات في سعر صرف الريال ستكون على حساب الاستقرار الاقتصادي، وكما هو معروف فإن الاستقرار الاقتصادي هو أحد أهم العوامل التي تحكم معدلات الادخار والاستثمار والاستهلاك.
خلاصة القول، عملية رفع الريال أعقد بكثير مما يتصور أكثر الناس، وطالما أن الأفراد يتأثرون من انخفاض القوة الشرائية للريال بسبب ربطه بالدولار الذي انخفض في السنوات الأخيرة، و طالما أن هناك أمورأً كثيرة تمنع رفع سعر صرف الريال، فإن على مؤسسة النقد وغيرها من المؤسسات الحكومية نشر الوعي الاقتصادي. نشر الوعي الاقتصادي يتطلب صحافة متخصصة وصحافيين "مثقفين اقتصادياً"، كما أنه يتطلب تحسين العلاقة بين المؤسسات الحكومية المختلفة ووسائل الإعلام. العبء يقع على الجميع، بما في ذلك وسائل الإعلام، وإلا فإن الهوة بين السياسات الحكومية ووسائل الإعلام ستتسع، وسيدفع الجميع ثمناً باهظاً لوجودها. لهذا فإن هناك ضرورة للتعاون بين هذه المؤسسات ووسائل الإعلام ضمن رؤية واضحة هدفها تعزيز الانتماء الوطني وبناء اقتصاد قوي.