نظام العمل يكرس البطالة
في 19 صفر 1378هـ, أي قبل 50 عاما, قررت شركة أرامكو تخفيض ساعات العمل الأسبوعية من 44 ساعة إلى 42 ساعة, وقررت كذلك أن يتمتع موظفوها بإجازة أسبوعية مدتها يومان بدلاً من يوم واحد، كان ذلك قبل خمسة عقود, وربما كان العاملون في ذلك الوقت يحلمون بتحسن ظروفهم بشكل أفضل كلما تقدمت السنون، إلا إن هذا لم يحصل. وأنا هنا لا أتكلم عن موظفي شركة أرامكو ولكن عن جميع موظفي القطاع الخاص الذين يلزمون بالعمل 48 ساعة أسبوعيا وربما أكثر مثل العاملين في كبائن الاتصالات وفي الحراسات الأمنية ولا يتمتعون سوى بإجازة يوم واحد، وهذا يعيدني إلى مقالة سبق أن كتبتها في 8/10/1427هـ وكانت بعنوان (مفاجأة.. السعوديون يعملون أكثر من اليابانيين), ذكرت فيها أن موظفي القطاع الخاص لدينا هم من أكثر موظفي دول العالم ساعات عمل أسبوعية وسنوية ومن أقلهم أيام إجازة, وذلك طبقا لما ينص عليه نظام العمل الذي جعل الحد الأعلى لساعات العمل الأسبوعية 48 ساعة, وبطبيعة الحال لن تتنازل معظم شركات القطاع الخاص عن استغلال حقها كاملا ما دام أن النظام يسمح به. وبالمناسبة فإن ساعات العمل القصوى التي حددتها منظمة العمل الدولية هو نفسه المطبق لدينا.
وفي دراسة قامت بها منظمة العمل الدولية أخيراً احتلت كوريا المرتبة الأولى من حيث عدد ساعات العمل السنوية بـ 2390 ساعة وجاءت بولندا في المركز الثاني بـ 1984 ساعة، وربما أن المنظمة لا تعلم أن الموظف لدينا يعمل نحو 2200 ساعة في السنة وأننا بهذا نكون أحق بالمركز الثاني من البولنديين، وهو ما يعد إنجازا فنحن لم نتقدم إلى هذه المرتبة عالميا في أي حقل من الحقول، وأتعجب أن وزارة العمل لم تقم الحفلات والمؤتمرات لتبرز هذا الإنجاز الذي لم يسبقنا فيه سوى دولة واحدة فقط، وغالب الظن أنها أدركت أن إعلانات سابقة لوزارة الصحة قد جلبت لها حنق معظم الكتاب والمراقبين فآثرت السكوت.
ما زلت أجهل الأسباب التي تجعل وزارة العمل تبقي على ساعات العمل الأسبوعية المرتفعة, وكذلك أيام العمل، فمعظم دول العالم تطبق ساعات عمل أقل تصل إلى 35 ساعة في الأسبوع ويتمتع موظفوها بيومي إجازة أسبوعية, وهي دول تختلف عنا في كل شيء تقريبا، فعلى أقل تقدير فإن تلك الشعوب لا يرتبط أفرادها اجتماعيا وعاطفيا كما هو حاصل لدينا، فجميع الموظفين عندنا يضطرون إلى أخذ إجازة يوم الخميس حتى يتمكنوا من زيارة أقاربهم في الأحساء وفي أبها والباحة والقصيم، والناس لدينا يعتمدون على وسائل المواصلات الخاصة ما يجعلهم عرضة للأمراض والحوادث، إلا أن الأمر الأهم هو أن تخفيض ساعات العمل يساعد على تحقيق الوزارة أهدافها المتعلقة بالسعودة، فإجراء مثل هذا يجبر شركات القطاع الخاص على استقطاب أعداد أكثر من السعوديين.
إن استمرار الوضع على حاله أدى إلى ارتفاع معدل دوران العاملين السعوديين وألبسهم ثوب الكسل والضجر من قبل منشآت القطاع الخاص، لأنها ومعها وزارة العمل تقيسان على العامل الأجنبي الذي لا ولد له في هذه البلد ولا تلد ولا يمانع أن يعمل أي عدد من الساعات، بينما الموظف السعودي يكون أمام خيارين أحلاهما مر, إما الصبر وتحمل التعب وتبعاته على صحته وحياته الاجتماعية وبالذات زوجته وأولاده, وإما أن ينتقل كل فترة إلى عمل آخر, وهذا أيضا له سلبياته على حياته. وفي هذا الصدد يقول البروفيسور كاري كوبر خبير الضغوط في جامعة لانكاستر البريطانية في حديث لصحيفة "الجارديان": إذا عملت ساعات عمل طويلة تزيد على 45 ساعة أسبوعياً وبشكل متواصل سيدمر ذلك صحتك نفسياً وجسدياً. ويشجع البروفيسور كوبر على مفهوم العمل بشكل أفضل أو أذكى وليس بساعات عمل أطول وعلى إدخال المرونة في أماكن العمل.
أتمنى أن يكون لدى وزارة العمل رد منطقي وعقلاني على هذا الموضوع مدعم بإحصاءات ودراسات مقارنة, وأن تكون في صف الموظف السعودي لا أن تكون ضده, ولا سيما أنه لا توجد لدينا جهة تقف معه, وهو كما يقول المثل "مأكول مذموم".