الغرفة التجارية وعرض المشاريع.. هل بالإمكان أحسن مما كان؟
دعوة كريمة وصلتني كما وصلت الكثيرين من المنتسبين للغرفة التجارية الصناعية في الرياض، لحضور اللقاء المفتوح الذي عقد في مقر الغرفة لتأسيس شركة لتطوير منتزه الثمامة، حرصت على تلبية الدعوة لثلاثة أسباب رئيسية، الأول لارتباط المشروع بعملي، السبب الثاني له علاقة باهتمامي بنشاط العقار بشكل عام، أما السبب الثالث فهو تلبية للدعوة الكريمة التي وصلتني من الغرفة.
اجتمع في القاعة الرئيسية في الغرفة حضور ملأ أكثر من نصف القاعة وأغلبهم من المهتمين بالشأن العقاري أو الترفيهي أو بالعاصمة الرياض ككل، اعتلى المنصة أربعة من الرجال الذين نعتز بهم أيما اعتزاز، الأول يمثل الغرفة التجارية، الثاني يمثل الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، والثالث والرابع يمثلان أكبر شركتين تعملان في مجال الترفيه في المملكة، كان دور الغرفة مقتضباً في التقديم وإدارة اللقاء، وإن كان جوهرياً فيما يخص رعاية اللقاء والمسؤولية الشكلية عنه، واستعرض ممثل الهيئة العليا إنجازات الهيئة وتصوراتها فيما يخص مشروع الثمامة كونه أحد المشاريع النوعية المهمة لمنطقة الرياض، وعلى اعتبار أنه سيكون رئة الرياض وقلبها النابض من الناحية الترفيهية. كما استعرض ممثل الهيئة بشفافية عالية يشكر عليها المحاولات السابقة للهيئة مع المستثمرين لاستثمار المشروع، في حين استعرض أحد ممثلي شركة الترفية المقترح الخاص بتأسيس شركة مساهمة مغلقة لتطوير المشروع، خاتماً عرضه بطلب من الحضور لتشكيل لجنة تأسيسية، وقد انبرى فعلاً عدد من الحضور ورشحوا أنفسهم لعضوية اللجنة التأسيسية، وإن كان العدد لم يكتمل إلا بعد النقاش والحوار وقبل اختتام اللقاء، اللقاء ككل لم يستغرق أكثر من ساعة.
لا أخفيكم القول إن اللقاء كان مفاجأة غير سارة بالنسبة لي شخصياً وللكثير ممن حضروا، فالتصور حول المشروع غير واضح، واستعراض المشروع من الناحية الاقتصادية والفنية كان سطحياً للغاية. كما أن العرض لم يتطرق إلى البرنامج الزمني المقترح للتطبيق، لم يحصل الحضور على معلومات كافية تحقق الحد الأدنى من القناعة بجدوى المشروع من الناحية التسويقية أو الفنية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، بل الأدهى والأمر أنه لم يتم استعراض أي جوانب اقتصادية للمشروع، ولم يعتمد المشروع على أي رؤية مستقبلية واضحة بخصوص الدعم المطلوب لنجاح المشروع (وهو جانب مهم في مشروع الثمامة)، الذي يجب أن يحصل عليه المشروع من الجهات الحكومية، ولم يتم معالجة السبب الرئيسي في فشل طرح المشروع للمستثمرين في محاولاته الأولى.
الخلل الكبير الذي تم عند طرح المشروع لا يمكن تجاهله عند طرح أي مشروع بغض النظر عن الجهة الطارحة، فكيف إذا كان الطرح بمبادرة من الهيئة العليا لتطوير منطقة الرياض وهي الهيئة التي اعتدنا على جودة نوعية عالية لخدماتها ومنتجاتها، وبرعاية مباركة من لاعب رئيسي من الوزن الثقيل بحجم الغرفة التجارية الصناعية التي حضنت المشروع رسمياً وما زالت، وهو أمر تشكر عليه بحكم أهمية المشروع لاقتصاديات الرياض ككل.
عندما ينبري للمشروع أبرز جهتين مطورتين للعمل في مدينة الرياض ثم يظهر بالشكل الذي تم الاطلاع عليه وشهده حضور ذلك اللقاء فهو أمر يسيء إلى الغرفة أولا وأخيراً، وإن كان تبني الغرفة وحماسها للمشروع يحسب لها وتشكر عليه، فإن ظهور اللقاء بهذا الشكل المتواضع يحسب عليها خاصة وأنها المؤسسة المدنية (غير الحكومية) الأكبر الراعية للنشاط الاقتصادي في العاصمة، ويقوم عليها نخبة من أبرز رجال الأعمال في المملكة.
ما حدث في اللقاء المفتوح لشركة الثمامة حدث مثله من قبل لأكثر من مشروع ولأكثر من شركة، في رأيي أن تبني الغرفة التجارية لأي مشروع جديد يجب أن يتم وفق أسس مهنية ومحددات اقتصادية ومتطلبات فنية يجب توافرها مسبقاً حفاظاً على سمعة الغرفة التجارية الصناعية ومنسوبيها والقائمين عليها. ومن جهة أخرى فهي خطوة مهمة للحفاظ على أموال المستثمرين الذين يعتقدون أن تبني الغرفة للمشروع أولاً وأخيراً يعتبر تزكية له وللقائمين عليه.
قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه ويطرحه الكثيرون: ما الطريقة الأجدى لطرح المشروع؟ وفي رأيي أنه ليس هناك وصفة محددة ثابتة لعرض المشاريع، ولكن بالتأكيد يمكن الاتفاق على المحددات والمهنية المقبولة للمشروع، وفي مثل مشروع الثمامة الذي تم طرحه أرى أن طرح المشروع يجب أن يتضمن الحد الأدنى من الإعداد والمعلومات التي يمكن اختصارها فيما يلي:
إعداد دراسة جدوى اقتصادية متكاملة ومقنعة للمشروع.
تحديد حجم الاستثمار الكلي للمشروع وهيكل التمويل، إضافة إلى المؤشرات المالية الرئيسية (مثل معدل العائد الداخلي للمشروع وفترة الاسترداد ومعدل العائد على رأس المال).
في مشروع مثل هذا (بفرضية جدواه الاقتصادية) يجب أن يتضمن شركاء استراتيجيين من الجهات الحكومية التي تضفي الثقة على المشروع.
وضع التصورات النهائية لمكونات المشروع اعتمادا على دراسة الواقع، والدراسة السوقية للمشروع، وتحديد منهجية الشركة المستقبلية للتعامل مع هذه المكونات وبرنامجها الزمني.
الاتفاق بين الشركاء الرئيسيين للمشروع أولا الذين سيضيفون بعداً استراتيجياً للمشروع وتحديد نسبة مساهمتهم في رأس المال، ودورهم الفعلي في تأسيس المشروع، قبل دعوة عموم المستثمرين.
حشد الدعم اللازم للمشروع خاصة من الجهات ذات العلاقة، وفي مشروعنا اليوم فإن دعم الهيئة العليا وأمانة مدينة الرياض ووزارة المالية لا بد منه.
من المهم استعراض التجربة السابقة لهيئة تطوير مدينة الرياض لترويج المشروع نفسه، التي أثبتت عدم حماس المستثمرين للاستثمار في المشروع، واستعراض التصور الجديد واختلافه عن السابق وتأكيد نقاط الجذب وتخفيض المخاطر عن سابقه.
من المهم جداً أن يتضمن العرض استعراضا واضحا لمزايا المشروع، والأهم من ذلك استعراض المخاطر المتوقعة للمشروع وكيفية تجاوزها.
يجب أن يشتمل العرض توضيحا للهيكل القانوني للشركة المقترحة والتصورات المقترحة للأسهم من حيث العدد والقيمة.
من المهم توزيع مذكرة معلومات تحوي معلومات كافية على المهتمين قبل اللقاء لتكون محوراً للمناقشة، بحيث تمهد للمستثمر لاتخاذ قراره المناسب حول مدى جاذبية الاستثمار من عدمها، وتشمل هذه المعلومات ما ذكر أعلاه، إضافة إلى نسخة من العروض التي ستقدم في اللقاء.
يجب أن تتضمن مذكرة المعلومات ما يفيد أن المذكرة والدعوة والعرض لا تعتبر توصية بالاستثمار، وأن المشروع مثل غيره من المشاريع عرضة للربح والخسارة، وأن التوقعات المالية قد لا تحدث كما تم التوقع بها، وأن على كل المستثمر القيام بدراسته الخاصة لاتخاذ القرار المناسب.