من يحاسب وزارة التعليم العالي على التزوير؟!
كأن التعليم لدينا تنقصه هذه الكارثة التي طالعتنا بها الصحف أخيراً، وهو ما تم اكتشافه من شهادات دكتوراة مزورة لمحاضرات في الجامعات لدينا في كليات البنات, والعدد ليس دكتورة واحدة ولا عشراً، بل ما يقارب 70 دكتورة في جامعاتنا السعودية وكلها تتبع وزارة التعليم العالي. هذا الاكتشاف الخطير يجيء في آخر العام أي مع بداية الامتحانات، فلماذا الآن؟ وما هي السياسة التي يتم اختيار المحاضرات في جامعاتنا وفقا لها؟ ماذا عن السنوات الماضية أي منذ بداية التعليم إلى اليوم، هل كانت حالة التزوير فقط لهذه السنة؟ أشك وأشك كثيرا, أي أنها موجودة منذ سنوات, خاصة أننا في زمن الدكاترة فيه من الرجال والنساء متوافرون لدينا بأعداد مهولة, ولسنا قبل 20 سنة أو نحوه لنقول إن هناك صعوبة في الحصول على محاضرات ذات كفاءة عالية. ما يحدث كارثة وطنية, كنا ننتقد المناهج وأسلوب التعليم والتخصصات أنها ليست بالمستوى الكافي, وأنها تحتاج إلى إعادة نظر وتطوير وكفاءة, ولكن أصبحت المشكلة الآن تعليمية كاملة, فلا جامعات أو كليات ذات مبان نموذجية وحرم جامعي حقيقي, ولا مناهج يعتد بها وتلبي الحاجة الحقيقية, ولا دكاترة محاضرين ذوي كفاءة لأن فيهم مزورين, إذاً ماذا بقي من التعليم لدينا؟ لا ألوم الكثير من الأقرباء والأصدقاء حين يوجهون أبناءهم للدراسة في الخارج وفي دول مجاورة مثل الأردن والإمارات. التعليم لدينا يحتضر بمعنى الكلمة, لأن ما يحدث يعد كارثة وهدرا للوطن والمواطن, لا أعرف ما تقوم به وزارة التعليم العالي حقيقة؟ هل ينصب فقط في الاعتراف بجامعات في الخارج وعدم الاعتراف؟ السؤال الآن من يعترف بنا في الأساس كشهادات جامعية؟ يكفي لتعرف مستوى التعليم الجامعي لدينا أن الخريج لدينا بالكاد يفك حرفا بالإنجليزية, ولا يستطيع كسب عمل خارج الوطن, وشهاداتنا لا توظف في الخارج ناهيك عن الداخل. إذاً ماذا تعمل وزارة التعليم العالي بهذا الجيش من العاملين فيها؟!
إن اكتشاف (70 دكتورة مزيفة) يعملن محاضرات يعد مصيبة بالفعل، لذا ينبغي أن تفتح في هذه القضية ملفات ومساءلة, وما دام الأمر كذلك، فلا غرابة أن نجد تقييم الجامعات السعودية في ذيل القائمة ولم نسبق إلا جامعات جيبوتي والصومال، وكتبت عن هذا في وقتها. جامعاتنا هي مظهر اجتماعي, مظهر يتشدق به الكثير أنه يحمل الشهادة الجامعية السعودية ولا يدري أنه يحمل ورقة لا تكسبه وظيفة, وما ينطبق على المحاضرات في كليات البنات, ينطبق على الدكاترة في الجامعات أيضا, فبعضهم لا يجيد الإنجليزية وهو من درس في الولايات المتحدة, ويحاضر في الجامعة, فمن أين جاء بشهادته, لذا فإن تقييم شهادات الدكتوراة يحتاج إلى أسس علمية ومجلس علمي يقيم كل ذلك, ولن أدخل في عمل والدور المطلوب من وزارة التعليم العالي, لكن ما يحدث مأساة حقيقية. مؤلم أن تشاهد زحام السيارات كل صباح طوال سنة كاملة للطلاب والطالبات ومباني كلفت مئات الملايين, ورواتب عالية لمئات الموظفين والأساتذة في الجامعات, وكتبا, وأبحاثا ومناهج, وفي الأخير نصبح في ذيل القائمة في التعليم العالي ويصبح بيننا شهادات عليا مزورة!! فأي كارثة تحدث لدينا, في جامعتنا التي يصعب القبول للالتحاق بها بينما يسهل على محاضرين يحملون شهادات مزورة المحاضرة فيها. حقيقة لا أعرف سهولة الغش والتزوير لدينا لماذا تمر مرور الكرام, نجد أطباء يحملون شهادات مزورة وكل يوم تنشر الصحف غشا تجاريا وكل يوم تنشر الصحف تزوير تواقيع وأختام لجهات حكومية، وكل يوم تنشر الصحف غش في المطاعم. والآن جاء دور الجامعات وها نحن نرى غشا في الدكتوراة؟ ماذا بقي بعد؟ يجب عدم السكوت لأن تبعات ذلك كبيرة وخطرة، بل الأمر يثير الاستغراب، خصوصاً إذا عرفنا أن لدينا أكبر معدل لحاملي شهادات الدكتوراة, ويوميا نقرأ التهاني والمناقشات في الصحف, ألسنا في النهاية نضر بالوطن, فلو كان لدينا حب لهذا الوطن لما خدعناه بشهادات مزورة, أو لما أصبح الحصول عليها كالحصول على تذكرة حافلة نقل عام.