لماذا لم تنسحب إندونيسيا من "أوبك"؟
في بدايات شباط (فبراير) من عام 2005, تناقلت وسائل الإعلام خبرا مفاده أن إندونيسيا تدرس فكرة انسحابها من عضوية منظمة الأقطار المصدرة للبترول "أوبك" بعد أن انخفض إنتاجها النفطي على نحو جعلها دولة مستوردة للنفط, وأن حكومة إندونيسيا شكلت لجنة لبحث إذا ما كانت إندونيسيا قد أصبحت مستوردا صافيا للنفط ولم تعد بذلك مؤهلة للبقاء عضوا في منظمة "أوبك". وسبق لكاتب هذه السطور أن تناول هذا الموضوع من الناحيتين القانونية والسياسية في مقالنا المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 21/1/1426هـ الموافق 2/3/2005 بعنوان ("أوبك" واحتمال انسحاب إندونيسيا).
ومر الآن أكثر من سنتين على ذلك الخبر, وإندونيسيا ما زالت محتفظة بعضويتها في منظمة "أوبك" وتشارك في اجتماعاتها وتمارس حقوقها كعضو كامل العضوية, وهذا يعني إما أن إندونيسيا أجلت تنفيذ فكرة الانسحاب من منظمة "أوبك" لأجل غير مسمى, وإما أنها استبعدتها نهائيا. وأيا كان الأمر, فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي جعل إندونيسيا تقرر البقاء في "أوبك"؟
في تقديري, يوجد سببان لاستمرار إندونيسيا في التمسك بعضويتها في "أوبك",
السبب الأول, أنها وجدت أن منافع وجودها في المنظمة أكبر من ضرره, فهي كدولة عضو في المنظمة تستطيع الدفاع عن مصالحها النفطية والسعي نحو تفهم باقي الأعضاء وجهة نظرها. وتجدر الإشارة هنا إلى أن إندونيسيا بسبب اعتمادها على النفظ المستورد لتلبية احتياجاتها المحلية وجدت أن مصلحتها تقتضي أن تنخفض الأسعار, ولذلك اتخذت مواقف في مؤتمرات "أوبك" التي انعقدت في السنتين الأخيرتين تستهدف تخفيض أسعار النفط إما عن طريق المطالبة برفع سقف إنتاج المنظمة وإما عن طريق الإبقاء عليه دون تغيير حسب الظروف والأحوال السائدة وقت اتخاذ القرار.
والسبب الثاني, يرجع إلى تحسن وضع الإنتاج النفطي الإندونيسي حيث يبلغ حاليا نحو 922 ألف برميل يوميا. واتخذت حكومة إندونيسيا خطوتين في سبيل تحسين معدلات إنتاجها النفطي واستعادة مكانتها كمصدر عالمي. الخطوة الأولى استهدفت تخفيض الاستهلاك المحلي من النفط عن طريق زيادة أسعار الوقود والمنتجات النفطية بنسبة 29 في المائة في المتوسط بهدف خفض دعم أسعار النفط في إندونيسيا الذي كان عام 2005 يكلف الدولة 90 تريليون روبية إندونيسية أي ما يعادل (9.47 مليار دولار أمريكي). وأدت هذه الخطوة إلى مظاهرات صاخبة في العاصمة جاكرتا نظمها مئات من سائقي الحافلات وعمال المصانع ولكن الحكومة استطاعت إنهاء هذه الاحتجاجات وتعهدت باستخدام الأموال التي ستنتج عن زيادة أسعار الوقود لمساعدة الفقراء. وكانت شركة بيرتامينا الحكومية للنفط قد توقعت أن ينخفض استهلاك إندونيسيا من النفط بنسبة 20 في المائة عام 2006 عن العام السابق بفعل ارتفاع أسعار النفط, وقال مدير التسويق في الشركة المذكورة (اري سومارنو) إن من المتوقع انخفاض واردات إندونيسيا بمقدار الخمس إلى 80 مليون برميل عام 2006, (أي ما يعادل 220 ألف برميل يوميا) من 100 مليون عام 2005م. أما الخطوة الثانية وهي الأهم التي اتخذتها حكومة إندونيسيا في سبيل استعادة البلاد مركزها كمصدر عالمي للنفط فكانت اتخاذ التدابير والإجراءات التي من شأنها جذب شركات النفط الدولية للبحث والتنقيب عن النفط في إندونيسيا. وهنا تجدر الإشارة إلى تصريح لوزير الطاقة والموارد المعدنية الإندونيسي بورنومو يوسجيانتورو قال فيه إن بلاده تخطط لزيادة إنتاجها النفطي إلى 1.3 مليون برميل يوميا عام 2009, وإن الحكومة الإندونيسية تسعى إلى جذب شركات النفط الدولية إلى السوق الإندونيسية للتنقيب عن النفط الذي انخفضت معدلات إنتاجه في إندونيسيا خلال السنوات الماضية بسبب غياب الاستثمارات والاكتشافات الضخمة. وبدأت إندونيسيا خطواتها في مجال تحسين معدلات إنتاجها النفطي بموافقة الحكومة على إسناد أعمال تطوير واستغلال حقل سيبو الذي يقع في ولاية جاوا إلى شركة إكسون – موبيل , حيث حصلت على حقوق استغلال هذا الحقل من شركة كان يديرها ابن الرئيس الإندونيسي الأسبق أحمد سوكارنو, الذي حصل على الامتياز بدوره من الشركة الحكومية الوطنية (بيرتامينا) . وبعد بدء العمل اكتشفت "إكسون ـ موبيل" احتياطيا كبيرا من النفط لم تعلم به "بيرتامينا" طوال سنوات نشاطها في المنطقة التي قاربت 30 عاما. ويعتقد أن الحقل احتياطيا يصل إلى 600 مليون برميل, الأمر الذي يجعله أكبر اكتشاف نفطي في إندونيسيا منذ عقد الستينيات. ومن المتوقع أن يضخ حقل سيبو ما بين 150 إلى 170 ألف برميل يوميا بحلول عام 2009 أي نحو خمس إنتاج إندونيسيا الحالي من النفط. وصرح ميز الرحمن, محافظ إندونيسيا في منظمة "أوبك", بأن بلاده قد تحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أعوام لتصدر أكثر مما تستورد.
يضاف إلى ما تقدم أن موارد النفط الإندونيسية ستزيد إذا استطاعت إندونيسيا تسوية الخلافات القائمة بينها وبين بعض الدول المجاورة حول مناطق بحرية غنية بالنفط بحيث تتم هذه التسوية على نحو يؤدي إلى تقاسمها مع تلك الدول حقول النفط والغاز في تلك المناطق المتنازع عليها. ونسوق على ذلك مثلا بالخلاف القائم بين إندونيسيا وماليزيا حول منطقة تقع في بحر سيليبس قبالة الساحل الشرقي لجزيرة بورنيو وبالقرب من جزيرتي سيبادان وليجيتان اللتين فقدتهما إندونيسيا خلال معركة قانونية في محكمة العدل الدولية في كانون الأول (ديسمبر) عام 2002 وحصلت عليهما ماليزيا. وقد منحت الدولتان عقودا للتنقيب في المنطقة المتنازع عليها حيث منحت إندونيسيا حقوق التنقيب لشركة يونوكال للنفط ومقرها الولايات المتحدة في حين منحت ماليزيا حقوق التنقيب إلى شركة رويال داتش شل الإنجليزية الهولندية, ومازال هذا الخلاف ينتظر الحل.
ومهما يكن من أمر, فإن استمرار إندونيسيا في الاحتفاظ بعضويتها في منظمة "أوبك" أمر يدعو إلى الارتياح, لأن إندونيسيا دولة إسلامية مهمة, وهي الدولة الوحيدة العضو في المنظمة من منطقة جنوب شرق آسيا, فوجودها يؤكد عالمية منظمة "أوبك" من حيث انتماء أعضائها إلى أقاليم جغرافية مختلفة من العالم.