تفهم الموقف الكويتي من فك ارتباط الدينار بالدولار
قرار الحكومة الكويتية الذي اتخذته الأسبوع الماضي القاضي بفك ربط عملتها بالدولار الأمريكي واستبدال ذلك بسلة من العملات له ما يبرره. فقد تم اتخاذ القرار بسبب عدم ظهور دلائل تحد من ظاهرة تراجع قيمة الدولار وتداعيات الأمر على أمور مثل التضخم على خلفية جلب واردات من سلع غير مسعرة بالدولار الأمريكي.
لا بد من التأكيد أن الكويت لم تتخل عن الدولار كلية, بل عمدت إلى ربط عملتها بسلة من العملات تضم الدولار لكنها تشتمل على عملات أخرى استنادا لأهميتها النسبية في الميزان التجاري لدولة الكويت. حقيقة القول حتى الماضي القريب كانت هذه السياسة المالية للكويت لكنها تخلت عنها قبل عدة سنوات فقط وعادت الآن لتصحح الوضع.
تراجع قيمة الدولار
حقيقة القول خسر الدولار الأمريكي الكثير من قيمته في الآونة الأخيرة نتيجة رغبة واشنطن في التصدي لظاهرة العجز في الميزان التجاري. على سبيل المثال, بلغ حجم العجز التجاري الأمريكي مع الصين وحدها 232 مليار دولار في عام 2006. وهذا يفسر جانبا من الضغوط التي تمارسها واشنطن على بكين لحملها على رفع قيمة عملتها (اليوان). وكانت مسألة العجز التجاري في صلب المحادثات التي جرت بين ممثلين من الجانبين الأسبوع الماضي.
بالعودة للوراء عمدت السلطات الأمريكية في السنوات القليلة الماضية إلى الدفع باتجاه خفض قيمة الدولار مقابل بعض العملات الصعبة الأخرى مثل اليورو. بمقدور 77 سنتا من اليورو في الوقت الحاضر شراء دولار واحد. أما في عام 2002, كان لزاما دفع يورو زائد 25 سنتا لشراء دولار واحد. لا شك أن هذا التحول يساهم في تعزيز الصادرات الأمريكية إلى دول منطقة اليورو. بمعنى آخر, فإن تدني سعر الدولار (أو ارتفاع قيمة اليورو) يخدم الاقتصاد الأمريكي عن طريق جعل الصادرات الأمريكية أقل تكلفة. وفي المحصلة يستفيد الاقتصاد الأمريكي عن طريق تنشيط الدورة الاقتصادية وإيجاد وظائف جديدة فضلا عن المحافظة على وظائف أخرى.
استيراد التضخم
من جهة أخرى, يساهم ارتفاع قيمة اليورو فضلا عن الين الياباني والجنيه الاسترليني إلى زيادة قيمة الواردات من دول منطقة اليورو واليابان وبريطانيا. حسب تقرير حديث صادر من قبل صندوق النقد الدولي فقد خسرت أسعار الصرف الحقيقية للعملات الخليجية أكثر من 12 في المئة من قيمتها في الفترة ما بين 2003 و2006.
فالبقاء على السياسة القديمة يعني فيما يعني استمرار تسجيل ارتفاع في قيمة الواردات من السلع المسعرة باليورو والين والجنيه. وعلى هذا الأساس يمكن تفهم تحرك الحكومة الكويتية على أنه محاولة للحد من تسجيل غلاء غير محتمل للأسعار في الاقتصاد المحلي. بمعنى آخر, قررت الكويت اتخاذ قرار جريء يهدف إلى العمل لوضع حد لمعضلة استيراد التضخم. يشار إلى أن مشكلة التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاءها مرتفعة) باتت ظاهرة في كل اقتصادات دول مجلس التعاون لكن بنسب متفاوتة.
كما لا بد من ذكر بعض سلبيات الارتباط بالدولار وهي بالضرورة استيراد معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة. فمعدلات الفائدة المعمول بها في دول مجلس التعاون ما هي إلا انعكاس للأوضاع الاقتصادية في الولايات المتحدة. صحيح أن معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة متدنية نسبيا في الوقت الحاضر لكنها قابلة للتغيير في المستقبل.
لا ضرر للاتحاد النقدي
خلافا لما يروجه البعض لا يشكل قرار الحكومة الكويتية ضررا ماديا لمشروع الاتحاد النقدي المزمع تنفيذه بين دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2010. فمن حق الكويت اتخاذ قرارات خاصة ترمي إلى حماية اقتصادها الوطني من معضلة استيراد التضخم. خلافا لسلطنة عمان لم تعلن دولة الكويت انسحابها من مشروع الاتحاد النقدي بأي حال من الأحوال. بل على العكس قد تنجح الكويت في تقديم تجربة ناجحة للدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد النقدي عند اتخاذ القرارات النهائية فيما يخص إطلاق العملة الموحدة.
عموما يعتقد على نطاق واسع أنه من الصعوبة بمكان أن تنجح دول مجلس التعاون في تدشين مشروع الاتحاد النقدي في التاريخ المحدد. ومرد ذلك عدم الانتهاء من تنفيذ مشروعين آخرين وهما الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة. يرتبط مشروع الاتحاد الجمركي بتبني سياسة تجارية موحدة مع الدول غير الأعضاء في المنظومة الخليجية. من المنتظر أن تنتهي المرحلة الانتقالية لمشروع الاتحاد الجمركي مع نهاية العام الجاري لكن لا توجد ضمانات في هذا الشأن. كما تود الأمانة العامة لدول مجلس التعاون تنفيذ مشروع السوق المشتركة في بداية عام 2008, الرامي إلى منح الحرية الكاملة لعوامل الإنتاج للتحرك في اقتصادات الدول الأعضاء. بيد أنه المطلوب من الدول اتخاذ العديد من القرارات الصعبة في فترة قصيرة نسبيا مثل السماح بشراء العقارات وبيعها دون شروط. والأمر نفسه يرتبط بالاستثمار في أسواق المال. باختصار يمكن الزعم أن قرار الكويت بربط عملتها بسلة من العملات لا يشكل ضررا على مشروع الاتحاد النقدي الخليجي.