المشكلة في المعلم وليست في المناهج مراحل ما قبل الجامعة

[email protected]

حقيقة و بكل صدق ليس العيب في المناهج الدراسية, فبمقارنة بسيطة قمنا بها منذ 15 سنة باجتهاد شخصي فقط، عندما رأينا مستوى خريجي الثانوية العامة لا يتناسب مع المناهج التي سبق أن درسوها في المراحل الثلاث (الابتدائية والمتوسطة والثانوي). المقارنة كانت فيما بين المرحلة الثانوية high school في الولايات المتحدة الأمريكية ونظيراتها في العالم العربي وخصوصاً دول شمال إفريقيا, فوجدنا (بدون مبالغة) أن خريجي الثانوية في دولة الجزائر (على وجه الخصوص) والدول العربية الأخرى مثل تونس، المغرب، مصر، وبعض الدول العربية, يواجهون صعوبة أكثر في المناهج وأنها أعلى مستوى في الجانب النظري من أول سنتين لطالب البكالوريوس في بعض الجامعات الأمريكية. كانت المقارنة في الجانب النظري وخصوصا الرياضيات والفيزياء وما شابههما. المناهج ذات مستوى عال جدا تضاهي نظيراتها في الصين وكوريا واليابان ولكن فقط في الجانب النظري.
إذاً أين تكمن المشكلة؟ ولماذا مستوى خريجي الثانوي في تدن مقارنة بخريجي الدول الصناعية؟
هناك عدة أسباب جوهرية ومنها على سبيل المثال:
1 ـ عدم التركيز على الجانب التطبيقي والعملي.
2 ـ المستوى الحقيقي لمعظم المعلمين أقل من أن يرقى إلى المستوى العلمي للمادة التي يدرسونها.
3 ـ لا يوجد تدريب وتقييم مستمر للمعلم وبما يناسب مخرجات التقنية.
4 ـ تدريب الطلاب وتشجيعهم على الأعمال اليدوية والكشف عن مواهبهم ومتابعتهم باستمرار.
5 ـ التركيز على المهارات التي تحتاج إليها سوق العمل مثل اللغة الإنجليزية, والحاسب, ومهارات الاتصال.
مشكلتنا الحقيقية تكمن في مستوى المعلم, وهذه سوف تستمر لفترة طويلة من الزمن, إن لم نتدارك ذلك وقبل فوات الأوان. يجب أن نبدأ بعمل خطة استراتيجيه من شأنها رفع مستوى المعلم. فتجد كثيرا من المعلمين ـ للأسف الشديد ـ لا يوجد لديه حب التطوير الذاتي ولا يحب أن يتعلم في مجاله ويقرأ المستجدات, وهذا بدوره سوف ينعكس (إيجاباً) على طلبته. الأسوأ من هذا كله, أن الجانب العملي في العلوم التطبيقية مثل (الفيزياء والكيمياء والرياضيات وغيرها) لا يجيده كثير من المعلمين, ولا يستمتع به لكي يمتع طلبته في الحصة الدراسية عن طريق أعمال تبهر الطالب وتغرس فيه حب العمل والاكتشاف. معظم المواد العلمية تُعامل كمواد إنسانية أو أدبية, يطلب من الطالب حفظ الدرس بدون تفكير فقط لكي يحصل على العلامة كاملة.
فاقد الشيء لا يعطيه
يجب التركيز على الجانب العملي والمهارات المختلفة في المراحل الدراسية التي تسبق المرحلة الجامعية. يجب أن يكون هناك جانب عملي وتطبيقي أكثر من الموجود في مناهجنا حالياً. كذلك يجب أن يتمتع المعلم بالقدرة على إبراز هذا الجانب من خلال تطبيقه الجانب العملي عن طريق عمل تجارب بسيطة وممتعة وتشجيع المبدعين وحث الطلاب على عمل بعض التجارب البسيطة في المنزل وإطلاع الأهل والأقارب وطلب مساعدتهم. هذا سوف يركز حب الأعمال التطبيقية في الأسرة والمجتمع, ويبعدنا عن أسلوب الحفظ ورهبة الدرجات.
جزء من الحصة الدراسية يجب أن يكون للأعمال اليدوية. في بعض مدارس الدول المتقدمة تجد هناك ورشه داخل المدرسة. بينما قد لا تجد معملا دراسيا متكاملا في بعض مدارس العالم العربي, في الوقت نفسه تجد بعض الطلبة يحفظ المواد عن ظهر قلب. بل هناك من يحصل على 100 في المائة, ولكنه لا يعرف أجزاء الراديو (المذياع) ولا كيف تعمل ثلاجة الماء, وبعض الأجهزة الكهربائية. ولا يوجد لديه ثقافة عامة عما يدور حوله, وقد لا يجيد التعبير (كما ينبغي) عن موضوع ما. وقد لا يستطيع الوقوف على المنصة (بثقة) لشرح موضوع (ما). وإن استطاع فقد لا يجيد الإلقاء, وإن أجاد ذلك فقد لا يجيد اللغة الإنجليزية كما ينبغي. وإن أجاد الكل فقد لا يستطيع الابتعاد عن التكبر والغرور.
جميع هذه المهارات يكسبها الطالب من أستاذه في المدرسة, ومن البيت, ومن الأصدقاء.
إذاً المشكلة ليست في المناهج بقدر ما هي في المعلم ففاقد الشيء لا يعطيه.
إذاً يجب أن يكون هناك منهجية جديدة للتعامل والتقييم للمعلمين إما أن يعمل لهم اختبار سنوي لقياس مدى استيعاب الشخص مادته و ما يدور حوله من مستجدات وتقنيات المستقبل. إضافة إلى أن هناك معلمين ـ وآمل أن يكون هذا النوع قليلا ـ لا يهتمون بالطالب الموهوب.
موقف حصل لي شخصياً (دع الإبداع في المنزل وخلص الدرس عندي)
من المواقف التي حصلت لي شخصيا مع أحد معلمي ابني قبل فترة من الزمن. فوجئنا بأن ابننا حصل على علامة منخفضة جدا في مادة التربية الفنية. عندما قابلنا مدرس المادة (في حينه) ذكر أن ابننا لا ينهي العمل في الوقت المحدد. ويعلم الله أن هذا الطالب حصل على جائزة على مستوى إحدى المقاطعات في ولاية أوهايو في أمريكا لإبداعه في هذا المجال. فعندما ذكرنا له هذا, وأعطيناه شهادة الإبداع (بعد ترجمتها له), كان رده كما يلي:
دع الإبداع لكم في منزلكم وتخليص الدرس المطلوب من الطالب في الوقت المحدد عندي. أنا ملزم بحصة, ووقت معين, ولست مسؤولا عن الإبداع. من هنا, بدأ الطالب يرسم في المدرسة بطريقة ترضي المعلم لكي يحصل على العلامة الكاملة. أستطيع القول إن هذا قتل للموهوبة عند الطالب.
هناك نوع آخر من المعلمين لا يوجد لديهم اهتمام ولا حرص على مصلحة الطالب, والذي هو أمانة في عنق الجميع, لأنه اللبنة الأساسية التي يعتمد عليها مستقبل الوطن. فلا تجده يحرص على التحضير وليس لديه إبداع, فحصته مملة. وتجده عند العودة إلى منزله يقضي وقت فراغه في الأعمال الحرة وأعماله الخاصة. أنا لا أمانع من هذا, ولكن في حدود.
يجب أن يكون هناك طريقة واضحة وشفافة لقياس الإبداع عند المعلم. ويجب الاهتمام بطلبه الابتدائي والمتوسطة وتوفير أحسن المعلمين ذوي الكفاءات العالية, ومن لديهم حب صادق لتعليم الأجيال الشابة. كذلك يجب الاهتمام باللغة الإنجليزية ومحاولة إقناع طلبتنا بحبها واستيعابها لكي يسهل عليهم مواكبة التقنية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي