بعد جولات الملك.. الآن بدأ التحدي الأكبر
خادم الحرمين الشريفين يختتم اليوم جولة تاريخية في المناطق التي لم تأخذ نصيبها الكافي من مشروعات البنية الأساسية في السنوات الماضية. ففي المناطق التي زارها خادم الحرمين الشريفين في الأشهر الماضية ستشهد التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحولات رئيسية نتطلع ونرجو أن تكون ثمارها عاملا للاستقرار الوطني ومحفزا للتكاتف الاجتماعي حتى نستفيد منها الآن، وتجني الأجيال المقبلة ثمار هذا الإنفاق الضخم الذي التزمت به الدولة لشعبها.
نقول حافز للتكاتف الاجتماعي.. لأننا نتطلع إلى إعادة بناء شرائح المجتمع الواسعة وتدعيمها بحيث نؤسس طبقة اجتماعية تتوافر لها كل مقومات الحياة الكريمة المنتجة، فالمشاريع التي تبناها الملك عبد الله في التعليم، الصحة، الإسكان، والنقل، كلها مشاريع عملاقة يفترض أن تكون لها مخرجاتها الإيجابية على حياة الناس، وهذا هو حلم وتطلع ورغبة الملك عبد الله.
وحتى نضمن ثمار هذه المعطيات ربما يكون عمليا وواقعيا أن يتم تشكيل (فريق عمل) يرتبط بالملك مباشرة، ويكون دوره محصورا في تقديم تقارير فنية وموضوعية عن سير الإنجاز في هذه المشاريع التي تم الارتباط بها ماليا وتم وضع حجر أساسها فعليا والتزام الملك وولي عهده أمام الناس بالمضي بها خصوصا أن هذه المشاريع في مناطق بعيدة عن مراكز القرار في الوزارات.
هذا الفريق المقترح.. آلية موضوعية، لأننا إزاء حقائق نعرفها عن أداء الجهاز الحكومي، وعدم تفاعل الأجهزة التنفيذية في السنوات الماضية، سواء في المناطق ذاتها أو في الوزارات، هو الذي أخر عملية التنمية في هذه المناطق، وحجب عن ولي الأمر أوضاعها.
لقد عانت برامج التنمية من ظاهرة المشاريع المتعثرة في المناطق البعيدة فلسنوات طويلة كانت المبالغ المالية يتم الالتزام بها، ولكن عثرات التنفيذ وعدم المتابعة الجادة من الأجهزة التنفيذية، ومعها عدم توافر الدراسات والمعلومات الكافية، وأيضا عدم الالتزام بالأولويات للمشاريع، وأيضا سوء تقدير التكاليف، كل هذه عوامل أحبطت التوسع في مشاريع التنمية وراكمت الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والسياسية علينا جميعا.
هذه الحقائق من تاريخ التنمية تبرر (القلق الموضوعي) من المستقبل. إن ضخامة المشاريع التي تمت ترسيتها خلال الجولات الملكية السابقة تجعلنا نتساءل: هل الأجهزة الحكومية القائمة لديها القدرة على متابعة التفاصيل الفنية لهذه المشاريع، وهل لديها الإمكانات البشرية المتخصصة التي تساعدها على المتابعة، ولا ننسى التحدي الذي تحدثنا عنه كثيرا وهو تحدي (قطاع المقاولات)، فهذا القطاع كلنا نتخوف من إمكاناته الحالية ومدى قدرته على الوفاء بمتطلبات المشاريع العملاقة، التي قد يحتاج تنفيذها إلى سنوات عديدة، فالتأخر ربما لا يضمن استمرار الالتزامات المالية المقررة لهذه المشاريع، فليس في المصلحة العامة تجميد الاعتمادات المالية لمشاريع يتعثر تنفيذها، فثمة احتياجات حيوية دائمة تستدعي تخصيص النفقات المالية.
لذا ليس أمامنا إلا تشكيل هذا الفريق المتابع الذي يتقصى الأسباب الموضوعية لتأخر المشاريع أو عدم تنفيذها، وأيضا تكون مهمته ليست تقصي النواقص والسلبيات، بل تحري الإيجابيات في تنفيذ هذه المشاريع، فقد تكون هناك مشاريع أنجزت في أسرع وقت وبتكاليف أقل.. هنا يفترض مكافأة المتميزين من المسؤولين.
مشروع خادم الحرمين الشريفين لتعزيز التنمية في جميع المناطق هو مشروع المستقبل، مشروع هدفه البعيد تكريس الوحدة الوطنية عبر برامج عملية تنعكس على حياة الناس بحيث تهيئ المسارات للباحثين عن مقومات الحياة الكريمة في بلادنا، وحتى يتحقق هذا الهدف النبيل.. علينا مواجهة التحدي الأكبر (تحدي التنفيذ)، وهذا ليس مهمة الحكومة وحدها، بل مهمتنا جميعا، فنحن إزاء مشروع تنمية شاملة.