انخفاض أرباح البنوك .. هل سوق الأسهم هي المسؤولة فقط؟
لقد تابع الكثير ما حصل لأرباح البنوك وما حصل لها من انخفاض, والذي تراوح بين 10 في المائة في مصرف الراجحي, و56 في المائة في بنك الجزيرة, وذلك باستثناء بنك واحد وهو البنك العربي الوطني, الذي حقق نموا بمقدار 3.5 في المائة, وبالطبع كما هو متوقع برر عدد من تلك البنوك أن السبب في تقلص الأرباح بما حصل في سوق الأسهم من انهيار, الذي انعكس بشكل كبير على الأرباح, وذلك من خلال انخفاض عمليات البيع والشراء في السوق, حيث انخفض معدل البيع اليومي بما يقارب 40 مليار ريال إلى ما يقارب أحيانا عشرة مليارات ريال بل قد تصل أحيانا إلى أقل من ذلك بشكل واضح.
ويبقى السؤال الأهم: هل سوق الأسهم هي المتسببة فقط فيما يحصل الآن للبنوك وما قد يحصل مستقبلا, مع العلم أن البنوك السعودية بشكل عام سعت وبشكل كبير إلى الزيادة في رؤوس أموالها إلى ما يتجاوز في بعضها الضعفين في فترة وجيزة؟ وهذا يمثل عبئا أكبر على البنك ليحافظ على المستوى نفسه من العوائد.
إذا نظرنا إلى المسألة بنظرة قاصرة نجد بلا شك أن لسوق الأسهم أثرا كبيرا فيما حصل للبنوك من انخفاض ملحوظ في الأرباح, حيث إن ذلك لم يكن فقط بسبب عمليات البيع والشراء وما تتقاضاه البنوك من عمولات, لكن أيضاء لبقاء هذه الأرقام الكبيرة من الأموال داخل البنوك بدلا من استثمارها خارج أسوارها في تجارات أخرى, يضاف إلى ذلك العوائد التي تحققها البنوك من الصناديق الاستثمارية التي انخفض حجمها هي الأخرى بشكل كبير, كذلك نجد أن البنوك قدمت كثيرا من التسهيلات لبعض عملائها والتي دخلت بشكل واضح إلى سوق الأسهم. ما تقدم وغيره بلا شك انعكس ليس فقط على البنوك السعودية فقط, بل حتى عدد من الشركات المساهمة التي وضعت ثقلها في سوق الأسهم بدلا من التركيز على نشاطها الذي أنشئت من أجله.
لكن بنظرة أكثر بعدا فيما يتعلق بهذه المسألة, نجد أن البنوك السعودية لم تسهم في حفظ التوازن لسوق الأسهم, وكسب ثقة المستثمرين وتوعيتهم, حيث إنه في ظل الارتفاعات الجنونية التي شهدتها السوق, نجد أن البنوك ما زالت تقرض المستثمرين أموالا كبيرة للدخول بها إلى سوق الأسهم, معرضة إياهم لمخاطر كبيرة, الكل يعلم, للأسف, مدى السلبيات التي وقعت للمجتمع بسببها, نجد أنها أيضا رغم العمولات التي يقدمها لها المستثمرون في عمليات البيع والشراء لم تقدم دراسات كافية تسهم في توعية المستثمر وتعريفه بمدى المخاطرة التي يتعرض لها من خلال شراء هذا السهم أو ذاك, يضاف إلى ذلك تعريفه بمستقبل الشركات المساهمة, وتعريف أكبر بمشاريعها, والأرباح المتوقعة لها على الأقل لمدة خمس سنوات ليبني المستثمر قراره على أسس واضحة, نجد أنها ورغم معرفتها حجم المخاطرة في السوق فإنها ما زالت تدخل بكل ثقلها عبر صناديقها الاستثمارية في السوق دون وضع نقاط شراء وبيع مناسبة, بدليل أن بعضها قد خسر ما يقارب 70 في المائة من أعلى نقطة وصل إليها, وهذا يقودنا إلى تساؤل عن مدى كفاءة الإدارات التي تتولى عملية إدارة أموال المستثمرين في السوق السعودية.
يضاف إلى ما سبق أن عددا من البنوك السعودية للأسف بدأ يفقد ثقة عملائه, وأنه مع دخول مؤسسات مصرفية جديدة, من الممكن أن يتوجه الناس بشكل كبير إليها, لما قد يجدون أنه متنفس لهم, في ظل عدم الارتياح للمؤسسات المالية الموجودة, ونحن نجد أن البنوك للأسف ورغم السيولة الكبيرة التي تمتلكها لم تقدم منتجات وخدمات تسهم في كسب ثقة أكبر بها, وتزيد في معدل نمو أرباحها بشكل متوازن وثابت.
لا بد للبنوك أن تركز بشكل أكبر على إيجاد منتجات تسهم في خدمة المجتمع, وتحقق ربحا مناسبا لها, وذلك بالمساهمة في إيجاد منتجات أكثر تلبي حاجة المجتمع للإسكان, وذلك عبر المنتجات الكثيرة المتوافقة مع الشريعة, التي تعتمد على عقود مثل المشاركة والإجارة والسلم والاستصناع والمساهمة في تطوير تلك المنتجات, بدلا من التركيز فقط على عقد المرابحة, الذي قد يشكل للأسف ما بين 80 و92 في المائة, من حجم التمويل المتوافق مع الشريعة.
لا بد أيضا أن تكون للبنوك السعودية مساهمة أكبر في خدمة المجتمع وذلك عبر إعطاء منح دراسية لأفراد المجتمع سواء كانت مجانية, أو عبر اشتراط العمل مدة معينة في البنك, أو عبر القرض الحسن.
لا بد أيضا أن يكون للبنوك مساهمة واضحة في معالجة الفقر, والبطالة بتمويل المشاريع الصغيرة, سواء عن طريق القرض الحسن, أو عن طريق عقد المشاركة مع المستثمر, وتقاسم الربح.
إن مثل هذه المؤسسات تعتمد بشكل كبير على ثقة ورضى العملاء, ومثل المقترحات السابقة, ستسهم في كسب رضى المجتمع, وبالتالي الإبقاء على رغبته في التعامل مع تلك البنوك حتى لو وجد البديل الأفضل, لما يلمسه من مساهمة تلك المؤسسات في الارتقاء بمستوى مجتمعه ووطنه.