هل يتحمل السوق طرح شركة الجوّال الثالثة للاكتتاب العام؟
انتهى مهرجان الرخصة الثالثة للجوال بمفاجأة من العيار الثقيل، فقد تجاوزت قيمة العروض التي قدمت للرخصة الثالثة للجوال أكثر التوقعات تفاؤلا، ولم يدر بخلد أحد, ومنهم منسوبو هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات أن تصل قيمة الرخصة الثالثة إلى ما يقارب 23 مليار ريال، المثير في الأمر أن الفارق بين عرض تحالف "الاتصالات المتنقلة " الفائز بالرخصة وأقرب العروض له يزيد على خمسة مليارات ريال، ولا شك أن العروض المقدمة من تسعة تحالفات عالمية تؤكد بجلاء أن سوق المملكة يثير شهية الشركات العاملة في المنطقة بشكل عام بحكم أنه التوسع الجغرافي الطبيعي لهم، وهذه حقيقة فالسوق السعودية يسيل لها لعاب شركات الاتصالات المتخصصة حيث عدد السكان يتزايد ومتوسط استخدام الجوال في ارتفاع والخدمات المرتبطة بالرخصة في تجدد، وقد أسهم في زيادة الطلب وارتفاع قيمة الرخصة ولا شك الجهود التسويقية التي قامت بها هيئة الاتصالات للترويج للرخصة الثالثة.
بالرغم من الارتفاع البالغ في قيمة الرخصة الثالثة والذي قد يصل إلى ضعف قيمة الرخصة الثانية تقريباً إلا أن الهيئة دافعت عن سعر الرخصة ومعقوليتها، ولا شك عندي في أن التحالف الفائز بالرخصة قد قام بالعديد من الدراسات السوقية والسكانية والفنية والاقتصادية والمالية على السوق السعودية ووضع التوقعات المستقبلية للسوق ككل ولنشاط الاتصالات المتنقلة تحديدا، وبالتالي فإن تقدير قيمة الرخصة تم بناء على هذه الدراسات المكثفة التي بالتأكيد قامت بها بيوت خبرة متخصصة تتمتع بالمهنية والعمق الكافي لإقناع التحالف بتقديم هذه القيمة.
ولكن هل يمكن للشركة أن تحقق الإيرادات المتوقعة وصافي الربح والتوزيعات المقنعة للمساهمين مستقبلاً؟ سؤال يفرض نفسه بقوة مع المفاجأة السارة التي فاجأت الجميع بارتفاع قيمة الرخصة إلى مستويات لم تحلم بها الهيئة نفسها، ولا شك أن قيمة الرخصة المرتفعة ستدفع الشركة إلى تمويل قيمتها عن طريق البنوك، وبالتالي ستكون قيمة الرخصة وتمويلها أحد أهم التكاليف المؤثرة في صافي أرباح الشركة، ويبقى السؤال قائماً، هل ستحقق الشركة الأرباح والتوزيعات للمساهمين فيها؟ الإجابة الشافية الكافية لهذا السؤال صعبة وصعبة جداً، ولا أعتقد أن أحداً يستطيع تقديمها، ليس إلا بسبب الجهالة بالمستقبل الذي لا يستطيع سبر أغواره إلا الله سبحانه وتعالى.
وما دامت هناك جهالة فهناك مشكلة، وكلما زادت الجهالة تعاظمت المشكلة، والمشكلة حقيقية في مدى جدوى طرح الشركة للاكتتاب العام، فهناك شك كبير في مستوى الأرباح التي يمكن أن تحققها الشركة وبالتالي التوزيعات، هذا إذا لم تحقق الشركة خسائر وتورط نفسها وتورط المساهمين معها.
لقد أعلنت الشركة طرح 40 في المائة من أسهمها للاكتتاب العام، والخوف الحقيقي أن يتكرر السيناريو المعروف، بإدراج الشركة بعللها ومن ثم يقوم الجمهور بالاكتتاب فيها، والجمهور هذا يتكون من العامة والنساء والأطفال والأيتام وغيرهم، ثم يقفل الاكتتاب وكما هي العادة تتضاعف قيمة السهم ليس لنجاح الشركة ولكن بتأثير عوامل السوق فقط، ثم تبدأ المضاربة ولا تنتهي وفي جميع الأحوال لن تقل القيمة السوقية للسهم عن ضعف قيمته الدفترية والأمثلة لذلك في سوقنا المالية كثيرة لا داعي لذكرها، وبالتالي تتضاعف ثروة المؤسسين في أشهر بفعل عوامل السوق ليس إلا، وفي الوقت المناسب يمكن للمؤسسين بيع حصصهم أو بعضها، ويبق المساهم الذي ينتظر توزيعات الأرباح والذي ينطبق عليه المثل الشعبي "يا غافل لك الله."
عندما تحصل الهيئة على قيمة قدرها 23 مليار ريال تقريبا، بينما القيمة السوقية لشركة اتحاد الاتصالات كاملة تصل إلى 29 مليار ريال فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن المبلغ الأول قيمة للرخصة فقط بينما المبلغ الثاني قيمة الشركة كاملة وفقاً لقيمتها في السوق، علماً بأن شركة اتحاد الاتصالات تجاوزت عنق الزجاجة واستطاعت أن تبني بنيتها التحتية، كما أنها انتهت من تثبيت وضعها في السوق وهو الأهم واستحوذت على شريحة عالية من مستخدمي الجوال في المملكة، الفارق بين المبلغين يعيد السؤال مرة أخرى إلى الساحة بصيغة مختلفة، فهل يمكن للشركة الجديدة المشاركة في السباق فضلا عن الفوز به؟
بحكم أن المؤسسين مجموعة شركات عملاقة من المحترفين والتجار الذين يعرفون ما هم مقدمين عليه، فإن الذي يهمنا في المعادلة الصعبة هم المكتتبون وجمهور المتعاملين في أسهم الشركة لاحقاً، وأعتقد أن الإجراء الصحيح الذي يجب أن تتبناه هيئة الاتصالات وهيئة سوق المال ووزارة التجارة والصناعة هو عدم طرح الشركة للاكتتاب العام، بأي نسبة كانت، والأولى إعطاء الشركة الفرصة لإثبات وجودها في سوق الاتصالات أولاً، ولنراقب ما يحدث، فإذا نجحت الشركة يتم إعطاؤها الفرصة لإدراج أسهمها في السوق، وإذا بقيت تراوح مكانها وتجاهد للبقاء، فإن المكتتبين وصغار المساهمين (الذين تجب حمايتهم) بعيدين عن مخاطر الشركة، كما أن سوقنا المالية ليست بحاجة إلى مزيد من التجارب الفاشلة.
ختاما .. التجارب خير المدارس.. والله من وراء القصد.