الخطوط السعودية: هل تنجح المنافسة في خلق مفهوم جديد للخدمة؟

عندما يكتب الكاتب منتقدا بعض جوانب الخدمة في الخطوط السعودية بتأثير ما يشاهده أو يسمعه من بعض متلقي الخدمة من عملائها، فإنما يفعل ذلك بدافع الغيرة والحرص على أن يكون أداؤها متواكبا مع تاريخها العريق، ومع إمكاناتها الضخمة، ومع مكانتها كأكبر ناقل جوي في الشرق الأوسط! وينبغي ألا يزعج ذلك المسؤولين عن المؤسسة، أو ينظروا إليه وكأنه آتٍ بدافع الرغبة في الانتقاص أو تصيّد الأخطاء، ومواطن القصور، بل ينبغي النظر إليه كوسيلة من وسائل متابعة الأداء، ورصد الخدمة للتعرف على أوجه القصور ومعالجتها، فالراكب هو عين المؤسسة التي تستطيع من خلالها متابعة وتقويم الخدمة، مقارنة بما يشاهده في شركات النقل الأخرى، التي لا تملك من الإمكانات والتاريخ ما تملكه "السعودية"، ومع ذلك نراها تنجح في استمالة وجذب الركاب المحليين الذين من المفترض أن يكونوا هم أكثر العملاء ولاء والتصاقا وإخلاصا لها.
والملاحظ أنها، أي "السعودية"، لا تهتم كثيرا بملاحظات الركاب التي تصلها مباشرة، أو من خلال ما ينشر في الصحف المحلية، بدليل الشحّ الملحوظ في التجاوب معها والرد عليها، وبدليل أن معظم ما ينشر من رسائل الركاب في مجلتها الجوية هو ما يحمل الثناء والمديح لخدماتها ولموظفيها.
وينبغي، لكي نكون منصفين، أن نشيد بالمحاولات المبذولة للرقي بمستوى الخدمات الأرضية، سواء ما يتعلق بأمور الحجز، أو تحسين مظهر المكاتب، وصالات الخدمة في بعض المواقع، بيد أنها تبقى قاصرة دون بلوغ مستوى مواجهة المنافسة التي ظهرت ملامحها وشكلها، بظهور بعض الشركات الجديدة، التي يبدو أنها عازمة على اقتطاع نصيب وافر من الكعكة التي ظلت "السعودية" تلتهمها وحدها على مدى عمرها الطويل، ولو أخذنا صالة الخدمة في مقرها الرئيس في الرياض في حي المروج كمثل، لوجدنا أنها تفتقر إلى الكثير من مقومات الجذب والإغراء، واحترام العملاء، ولا سيما صالة تقديم الخدمة الذهبية، الواقعة في جانب متواضع منها، التي لم ألمس فيها، عندما راجعتها صباح يوم الثلاثاء الماضي لإعادة إصدار بعض التذاكر، ما يوحي بأي دلالة على انطباق الاسم على المسمّى، وسأنقل في الأسطر التالية مشاهداتي كما رأيتها:
حضرت الساعة التاسعة صباحا، لم يكن هناك سوى موظف واحد، أمامه ثلاثة عملاء، بحثت عن الأرقام في حاملة الأرقام فوجدتها خالية، حضر موظف آخر الساعة العاشرة وبحضوره انصرف الموظف الأول، تطفلت وسألته: هل انتهى دوامك؟ فقال لا، لكني شاهدته متجها إلى خارج المبنى، كان هناك ستة عملاء وموظف واحد، المكتب "الكونتر" مجهز لأربعة موظفين، لم تكن هناك نشرات أو مجلات يمكن أن يقتل بها العملاء وقتهم، بدلا من التأفف وإظهار علامات الضجر، عدا نشرتين لا تمتان للخطوط بصلة، وجريدة واحدة، ونشرة صغيرة أصدرت بمناسبة تغيير شعار الخطوط قبل سنوات طويلة كتب على غلافها الأول عبارة "نجتهد لنحقق أسمى غاياتنا"، وعلى غلافها الأخير عبارة "نجتهد لرضاكم"، وتساءلت بيني وبين نفسي: هل هذا هو الاجتهاد المطلوب؟! أم أنها عبارات تطلق ونشرات تطبع لاستهلاك اعتمادات الدعاية والإعلان؟! المهم أن خدمتي "الذهبية" البسيطة أخذت مني ساعتين، وطيلتهما كنت أتأمل وأفكر وأقارن، ولم ألحظ أي فرق يذكر بين المكان الذي أنا فيه، لا مظهرا ولا مخبرا وبين الصالة العامة للخدمة المجاورة، التي لاحظت أنها تئن هي الأخرى من وطأة التجاهل، وشعرت وأنا أغادر المكان، بالغبن والتجنّي على الواقع حين نطلق صفة "الذهبية" على مثل تلك الأماكن.
لقد نجحت الشركات الأخرى في المنطقة في اجتذاب الركاب وصرفهم عن استخدام "السعودية" بعدة أساليب تخلت عنها هي، أو أنها لم تكن من أول اهتماماتها، مثل التهذيب واللباقة، وبيئة المكاتب، وأماكن الاستقبال أرضا، والخدمة الراقية، واحترام الراكب، وإجابة نداءاته جوا، بل وإعمال العنصر الاقتصادي في خفض تكلفة الإركاب، كواحدة من أنجع الوسائل في الوقت الحاضر، وفي الوقت الذي استطاعت فيه الشركات الأخرى خفض تكلفة الإركاب، داخليا وخارجيا، بشكل جعل الركاب يهرولون إليها، ما زالت خطوطنا العزيزة متمسكة بأسعار حرب الخليج، وما زالت متمسكة باستخدام "الكونترات" العالية التي لا يكاد يبرز منها سوى رأس الموظف في مكاتبها، وتصر على أن يقف الراكب على قدميه، طيلة تأدية الخدمة، التي قد تأخذ وقتا طويلا، في حين أنه أولى بالجلوس من الموظف، لأنه آت لشراء سلعة أو خدمة نقدا، هذا في وقت أصبح فيه مثل هذا الأسلوب من ذكريات الماضي، البائس، لدى الشركات الأخرى، وما زالت متمسكة بالتقوقع في طرف من أطراف مدينة يبلغ قطرها 50 كيلو مترا، في انتظار الركاب ليأتوا، أو يسافروا إليها، من أطراف المدينة الأخرى، في وقت يجدون فيه مكاتب الشركات الأخرى بجوارهم، وما زالت متمسكة بأسلوب تحصيل الإيرادات نقدا، في وقت تعددت فيه وسائل الدفع الآمنة والسريعة، والبعيدة عن مظنة الاعتداء على النقد.
في اعتقادي أن "السعودية" ستفقد كثيرا من رصيدها من العملاء تدريجيا مع بروز أساليب جديدة من المنافسة، ولن يتبقى لها سوى الدعم الحكومي، المتمثل في الإركاب الحكومي المكثف، حيث تعدّ الحكومة هي الحلقة الأضعف، حين تُعامل بأسعار عالية ليس لها وجود على أرض الواقع، وتزيد كثيرا على الأسعار المعتادة، ولو كنت مسؤولا عن المال العام لأصررت على أن تعامل الحكومة بالأسعار نفسها التي يعامل بها الركاب العاديون، بل وطلبت الحصول على تخفيض واضح عنها، مثل الذي يحصل عليه كبار العملاء عادة، ولا سيما ومدفوعات التذاكر الحكومية تُحجز سلفا من الاعتمادات المخصصة لذلك كما أعلم.
بودّي لو تكلمت عن الملحوظات حول الخدمة الجوية، لولا شعوري أنني ملأت الحيز المخصص لمقالي.
والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي