Author

حقوق مرضى الإيدز والمسؤولية القانونية عن نقل الدم الملوث

|
انتشر العديد من الأمراض والأوبئة الفتاكة في الوقت الحاضر من خلال فيروسات تنتقل عن طريق العدوى من الإنسان إلى الإنسان مثل الفيروس المسبب للالتهاب الكبدي الوبائي الذي ينتقل عبر عمليات نقل الدم الملوث أثناء إجراء العمليات الجراحية وغيرها وفيروس الإيدز الذي ينتقل من خلال العمليات الجراحية ونقل الدم أو من خلال المعاشرة الجنسية. لذا يبرز تساؤل حول مدى مسؤولية الطبيب المعالج والمستوصف الطبي أو المستشفى عن الخطأ في علاج المريض أو عن تسببه في إصابته بأحد الفيروسات المسببة لهذه الأمراض الخطيرة, ولاسيما في ظل ارتفاع نسبة حوادث السيارات التي تتطلب في حالات كثيرة إجراء عمليات نقل دم لإسعاف المصابين فيها. كما أن الإصابة بأمراض الكلى, وبخاصة الفشل الكلوي, تجعل صاحبها في حاجة ماسة إلى إجراء عمليات الغسل الكلوي بصفة مستمرة ومنتظمة ما يجعله أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات المسببة للإيدز وللالتهاب الكبدي الوبائي عن طريق نقل الدم. ويزيد من خطورة وإمكانية الإصابة بهذه الأمراض المعدية أن بنوك الدم تقوم بتجميع الدم من أوساط المسجونين وغيرهم من مدمني المخدرات بطريق الحقن دون فحص طبي دقيق سابق ثم تقوم بحفظه لمدة معينة لحين الحاجة إليه. لهذا فإن من أهم المسائل التي أثارت خلافا كبيرا لدى القانونيين في العديد من الدول ولم يستقر وضعها القانوني بعد فكرة المسؤولية القانونية الناشئة عن الأعمال التي يقوم بها الأطباء في معالجة المرضى, سواء تمثلت في تشخيص المرض ووصف العلاج أو في العمليات الجراحية أو في عمليات نقل الدم وما يصاحبه من انتقال فيروسات المرض إلى أشخاص غير مصابين به فيصبحون من المرضى المعرضين للوفاة. وإذا كانت هناك قواعد قانونية يمكن الاستناد إليها لتحديد مسؤولية الطبيب عن الخطأ المهني الذي يرتكبه أثناء إجرائه العمليات الجراحية مثلاَ, وذلك عندما يخرج الفعل الذي قام به عن تصرفات وأفعال الطبيب المعتاد ويخالف أصول مهنة الطب, فإن هناك جوانب أكثر صعوبة تبدو في تحديد مسؤولية المستشفى أو المستوصف الذي يعمل لديه الطبيب باعتبار أن هذا المستوصف أو المستشفى شخص معنوي له شخصية مستقلة عن شخصية الأفراد المكونين له وعن شخصية العاملين فيه. ولكن الأمر المتفق عليه هو أن الشخص الاعتباري يسأل عن التعويضات التي تستحق للآخرين بسبب مباشرة نشاطه وما يرتكبه ممثلوه من أفعال ضارة. ولقد حدد المختصون في القانون الجنائي المسؤولية الجنائية الناشئة عن الإصابة بمرض الإيدز, كما تناولوا بالبحث مسألة إمكانية تعويض ضحايا هذا المرض, حيث رأى بعضهم أنه يمكن تعويض المريض عن الآلام التي تصيبه منذ إصابته بالمرض واكتشافه لديه والعزلة التي يعانيها؛ ورأى البعض الآخر أنه يمكن تعويض المريض عن المخاطر الطبية وتقرير مسؤولية الطبيب الذي قام بنقل الدم الملوث بالفيروس للمريض. وأصدرت بعض الدول قوانين تناولت بعض الجوانب القانونية المتعلقة بالإيدز مثل تعويض الضحايا, مثال ذلك القانون الفرنسي الصادر في 31 كانون الأول (ديسمبر) 1991, الذي ينص على تأسيس صندوق لتعويض ضحايا مرض الإيدز بصورة مباشرة وبإجراءات أكثر سهولة وسرعة, ثم صدر القانون الفرنسي في 4 كانون الثاني (يناير) 1992 الذي تضمن أحكاما تنظم عملية تجميع الدم ونقله أو توزيعه. وبناء عليه إذا تبين أن عدوى الإيدز وقعت بسبب نقل دم ملوث أو أحد مشتقاته فيجوز للضحية أن يرفع دعوى تعويض ضد المتسبب في ذلك, وتوجه الدعوى ضد بنك الدم, حيث تقوم مسؤوليته على فكرة الخطأ في نقل دم ملوث, وهو ملتزم بضمان كل عيب خفي في الدم الذي يبيعه للضحية, ويعد البنك في هذه الحالة في حكم المنتج أو الصانع الذي يعلم أو من المفروض فيه أن يعلم بعيوب المنتج بحيث يعد سيئ النية في مواجهة المريض الضحية ومن ثم يلتزم بتعويضه عن جميع الأضرار التي تحدث نتيجة استعمال الدم, بل إن بنك الدم يعد ملتزما تجاه المريض بالتزام الأمن أو السلامة ومن ثم لا يمكن إعفاء بنك الدم من المسؤولية لمجرد إثبات عدم وقوع الخطأ. وقد أعلن نائب رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية أن الجمعية ستنتهي في الشهر المقبل من صياغة مشروع نظام يكفل لمرضى الإيدز في السعودية حقوقهم ثم يعرض على وزارة الصحة وغيرها من الجهات المعنية, حيث ينص على تقديم الرعاية الصحية لمرضى الإيدز ومعاملتهم بطريقة حسنة سواء من الأطباء أو من أفراد المجتمع وعدم عزل الحالات التي لا تشكل خطورة وحفظ أسرارهم, كما يستهدف مشروع النظام توحيد الجهود في مواجهة مرض الإيدز والنظر في الأساليب التي تكفل للمرضى حقوقهم والقضاء على النظرة السلبية للمجتمع تجاههم, وينص مشروع النظام على توقيع عقوبات على المرضى الذين ينقلون المرض إلى الآخرين أو يتأخرون في الإبلاغ عن إصابتهم. يذكر أنه يوجد في السعودية نحو 23 عيادة باسم المشورة يوجد فيها طبيب واختصاصي نفسي لإجراء فحوص مرضى الإيدز بسرية تامة. ونتساءل: هل يتضمن مشروع النظام المقترح حماية كافية لمرضى الإيدز وذلك بتقرير حق كل منهم في الحصول على تعويض من المتسبب في إصابتهم سواء أكان بنك الدم أم المستشفى أم المستوصف المعالج أم أي شخص آخر تسبب في إصابته؟ وهل نص مشروع النظام على ضوابط لتقرير المسؤولية القانونية للمتسبب في حالة تعدد أسباب العدوى؟ وهل يمكن أن ينشأ بموجبه صندوق اجتماعي لتعويض هؤلاء الضحايا على النحو المتبع لدى بعض الدول؟
إنشرها