صعوبة تعزيز التجارة العربية البينية

[email protected]

ليس من الواضح فيما إذا نجحت القمة العربية العادية التاسعة عشرة والتي عقدت في الرياض الأسبوع الماضي في تعزيز أواصر العلاقات التجارية بين الدول العربية. حقيقة القول, تعتبر مؤشرات التجارة العربية في الوقت الحاضر دون مستوى الطموح.
يشار إلى أن مشروع التجارة الحرة بين الدول دخل حيز التنفيذ في عام 2005. تشير آخر التقارير إلى أن التجارة البينية بين الدول العربية لا تتجاوز في أحسن الأحوال نسبة 15 في المائة من تجارتها مع العالم. بل إن السواد الأعظم من هذه التجارة هي بين دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية, الإمارات, الكويت, قطر, عمان, البحرين). المعروف أن دول مجلس التعاون بدأت في تطبيق مبدأ الاتحاد الجمركية في بداية عام 2003. يلزم مشروع الاتحاد الجمركي الدول الأعضاء بتوحيد سياساتها التجارية مع الدول غير الأعضاء. كما من المتوقع أن تبدأ دول مجلس التعاون تطبيق مبدأ السوق المشتركة في نهاية العام الجاري والذي بدوره يعني إطلاق العنان لقوى الإنتاج بالتحرك في الدول الأعضاء من دون أية عراقيل. كما ترغب دول مجلس التعاون في إنشاء اتحاد نقدي في عام 2010.

تبادل تجاري محدود
لا تعتمد الدول العربية على بعضها بعضا في المبادلات التجارية الأمر الذي لا يخدم هدف تحقيق تكامل اقتصادي عربي. تشير الإحصاءات المتوافرة والقليلة أصلا إلى أن هناك تجارة محدودة بين الدول العربية. على سبيل المثال وليس الحصر, لا توجد تجارة بينية تذكر بين البحرين وموريتانيا, والحال نفسه ينطبق بين المغرب وجزر القمر. لكن هناك تجارة قوية نسبيا بين دول مجلس التعاون من جهة والهند من جهة أخرى. لا شك في أن أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو عامل الجغرافيا. فالهند قريبة نسبيا من دول مجلس التعاون. بيد أن هناك تباعدا جغرافيا بين دول الخليج والمغرب العربي. ففي غضون الأيام العشرة الماضية, قام كل من الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (ولي عهد البحرين) والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (نائب رئيس الإمارات, رئيس مجلس الوزراء, حاكم دبي) بزيارة عمل إلى نيودلهي حيث وقعا على اتفاقيات منفردة لتعزيز التجارة مع الهند.
بالمقابل, تشتهر دول الاتحاد الأوروبي أن قيمة تجارتها البينية تزيد 50 في المائة على تجارتها مع العالم الخارجي. وكان زعماء الاتحاد الأوروبي قد اجتمعوا في برلين الأسبوع الماضي للاحتفال بمضي نصف قرن على توقيع اتفاقية روما لتأسيس الشراكة الأوروبية. يضم الاتحاد الأوروبي 27 بلدا مقابل 22 بلدا أعضاء في الجامعة العربية.

قضية العولمة
المؤكد أن الظروف الدولية لا تخدم عملية التكامل الاقتصادي العربي. بل إذا كانت التجارة العربية البينية ضعيفة في الماضي, فإنها بكل تأكيد لن تتعزز في عصر منظمة التجارة العالمية والعولمة. لاحظ في هذا الصدد قيام بعض الدول العربية (الأردن, المغرب, البحرين, عمان) بالتوقيع على اتفاقيات للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة. وقد عمدت هذه الدول على إبرام اتفاقيات للتجارة بصورة منفردة طمعا منها في الوصول إلى السوق الأمريكية الضخمة لغرض المساهمة في إيجاد حلول لمشكلاتها الاقتصادية من قبيل البطالة وجلب الاستثمارات. يحتل الاقتصاد الأمريكي المرتبة الأولى في العالم حيث يزيد حجم الناتج المحلي الأمريكي فيها على 12 ألف مليار دولار.

سوق مشتركة عربية
لا شك في أن هدف إنشاء سوق مشتركة بين الدول العربية يستحق التقدير لأنه يخدم عملية التكامل الاقتصادي العربي. لكننا نرى صعوبة تحقيق مشروع السوق العربية المشتركة وذلك بالنظر للظروف الموضوعية وفي مقدمتها عدم حاجة الدول لبعضها بعضا في تجارتها العالمية. كما أن التباعد الجغرافي يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق الهدف الطموح. المعروف أن مبدأ السوق المشتركة يتطلب إطلاق العنان لعوامل الإنتاج بالتحرك داخل الدول العربية, الأمر الذي يشكل تحديا بكل معنى الكلمة. نعتقد أن الأمر غير قابل للتطبيق وذلك على خلفية التطورات الأمنية المتلاحقة في المنطقة (العنف في العراق على سبيل المثال). كما أن مسألة الحصول على تأشيرات دخول تقف عائقا حيث لا توجد مرونة في منح التأشيرات لدى بعض الدول العربية. تشتهر الدول العربية بتنسيقها في المسائل الأمنية (لاحظ الاجتماع الدوري لوزراء الداخلية العرب). لكن الأمر لا ينطبق بالضرورة على التنسيق الاقتصادي ربما لأسباب واقعية. والإشارة هناك إلى عدم وجود عناصر موضوعية تساعد على التكامل الاقتصادي العربي.
خلافا لدول الاتحاد الأوروبي لا تتميز اقتصادات الدول العربية بتميزها أو امتلاكها عناصر تنافسية خاصة بها. فألمانيا على سبيل المثال تتميز بصناعة السيارات والمعدات. أما إسبابنا فلديها قدرة فائقة في مجال الإنتاج الزراعي ما يفسح المجال أمام التبادل التجاري بين البلدين. بيد أنه لا ينطبق الأمر نفسه على واقع الحال في الدول العربية إلا ما ندر. وإذا كان هناك من تميز فذاك موجود بين دول مجلس التعاون الخليجي.

عضو مجلس النواب (البحرين)

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي