مرحلة جديدة بنفس الوزراء .. هنا المعادلة

[email protected]

..نحن أمام فترة جديدة، بوزراء غير جدد. إذن الجـِدّة موجودة، فهي ليست مناسبة لأن تستمر الأشياء على ما هي عليه، ولكنها فترة تطلع جديد، من وراء خبرة من سنوات مضت. إنها مناسبة سانحة لكل وزير كي لا يسمح بأن تتكرر الأخطاء التي نشأت في الفترة السابقة، وبالتالي فرصة مهمة للاستفادة من التجربة المعاشة والموثقة والمسجلة النتائج على الواقع في الماضي لتنفيذ برامج الحاضر وبناء خطط المستقبل. إنها إذن المعادلة المتزنة والمتوازنة، إنها الفرصة الأخرى تمنح لكل وزير لإكمال خطط نجحت، أو تغيير خطط كان يجب أن تتخذ مسارات أخرى، أو التنحي عن سياسات وإجراءات أثبتت في السنوات الماضية عجزها وثقلها واقعا أكيدا، للبعد عنها نهائيا وحذفها كي لا ينمو العجز والثقل من جديد.
نقول إنها المتزنة المتوازنة، لأن مع كل وزير جديد تأتي طاقة جديدة، ولكن مع خبرة تكاد تكون غير مرتبطة بواقع الأداء، ولا برتم وأشخاص الوزارة، وهما عنصران لا يمكن إغفالهما. جاء الوقت أيضا للراحة النفسية لكل وزير، بأن الوقت لا يدهمه ولا يلاحقه، وأن أمامه الآن متسعا من الوقت لتأتي القرارات مدروسة بحكمة عالية بدل أن تكون عاجلة لحل قضايا عاجلة، فلا تنفع العجلة إلا في زيادة عمق المشكلة.. ذهب وقت الجري ضد كل شيء، ليأتي وقتٌ رخيٌّ للتأني أمام كل شيء قبل التنفيذ.
الوزراء اليوم أكثر خبرة وحنكة ورسوخا إداريا في وزاراتهم من السنوات الأربع الماضية، وبالتالي إن وُجد العذرُ في الماضي، فسيصعب تلمس العذر في الفترات الآتية. إذن: نحن أمام مرحلة جديدة بأشخاص كبار غير جدد.. هنا المعادلة، وهنا ليس التحدي العاطفي والقهري، ولكن المحك الحقيقي لمعدن العطاء لكل وزير.. وهو عطاء يعيد تشكيل كامل الأمة من جديد. كل وزيرٍ اليوم يحمل جزءاً حيوياً من وطننا، والمهمة وضع كل جزءٍ ضمن تنسيق عام على الطريق للمستقبل كي لا نتوه في التيه الزمني .. فلا نكون بالحاضر ولا الماضي، ولا دليل للمستقبل.
يعرف الوزراء في فترتهم الجديدة أن الصعوبات أمامهم، ولو كانت الدنيا رخية سهلة تمشي بالتساهيل من تلقاء نفسها لما احتجنا لرجال كبار مثلهم، إن طبيعة صعوبة ومشقة المهام هي التي تحدد مستوى قدرة الرجال.. وكلما عظمت المسؤوليات فلا بد أن يتم اختيار رجال بقلوب عظيمة، وعقول كاشفة.. وقدّمنا القلوبَ على العقول، لأن القلب يحدد طبيعة تفكير العقل.. إن كان القلب محبا، عمل العقلُ من أجل المحبة العامة لا الخاصة، إن كان القلب مانحاً، عمل العقلُ لمنح الناس ما يأملون، لا العمل على منح النفس ما تهوى وتشتهي. إذن المشقة والصعوبات التي يبدو أن الوزراءَ سيواجهونها تحتاج أيضا تفهما من سواد الناس، والناس لن يعطوا هذا التفهم ولا تلك المساندة إلا بعد أن يكون التفاهم سائدا بين الوزير وقطاع الناس، عندما يشعر الوزير بهمّ الناس، ويحترم الذكاء العام، ليتعمق بين سواد الناس أن الوزير يعمل بإخلاص وجهد وبقلب محب نظيف، هنا سيكون من المساندة العامة للوزير طاقة لا يمكن تصورها من الشحذ في الهمة، والرغبة في مزيد من البذل، بل سيمهد له الرضا العام أن يعمل غير خائف من خطأ هنا، وخطأ هناك، يقع فيه أي إنسان يعمل، لأن المحبة والثقة السائدتين بين سواد الناس ستمنحه شيئا قد لا يقدر بأثمان، وهو عذره عند الخطأ.. يمشي الوزير هنا غير هيّابٍ من أن ينفجر لغمٌ في وجهه وهو يحاول أن يبني الطريق.
إن المرحلة هذه ستمنح الوزير عاملا نافعا وهو القدرة على التحكم. قلنا إنها فترة تمهل ورحابة في التأمل الفكري قبل المباشرة في اتخاذ القرار.. والتحكم هذا أهم عناصر اتخاذ القرار، وعدمه يفضي إلى نفق لا ينتهي من مشكلة تجرّ أخرى. فبينما - عقلا ومنطقا - لا يمكن أن نتحكم ولا نضبط ما يجري في الخارج، خارج قدرتنا وسيطرتنا، فالمهم إذن التحكم في ردة الفعل أمام هذه الأمور الخارجية عندما تحل.. فمن طبيعة التحديات الكبرى أن تخلق فزعا وارتباكا، وهذا الفزع والارتباك يشوش الحالة العقلية في اتخاذ القرار السليم أو التصرف الصحيح، فتبزغ ردود الأفعال التي تأتي تلقائية من واقع المفاجأة وتقود إلى مهابط أعوص، ومخارج أضيق، وشبكة من المتاهة أوسع.. هنا يختلف الناس حتى الوزراء، ليس حسب العقل وثقل الشخصية، فنتوقع في وزرائنا هاتين الصفتين، ولكن في العنصرين المهمين الحِنكة والوقت.. وهما ما تتيحه الفترة الجديدة لرفع قدرة التحكم والضبط التي تعكسها قرارات الوزراء وردود أفعالهم أمام ما يبزغ من تحديات ومشاكل كبرى.. أو حتى غير كبرى. نتوقع في هذه الفترة ارتفاع مستوى التحكم والضبط في ردود الأفعال أمام أي ظرف خارجي، ولجمه وشكمه وترويضه.. لا الركوب عليه كحصان برّي عارم الغضب وأنت لا تتقن فن الترويض.. فتقع وقد ينكسر ظهرك. لم يعد لنا ظهور تقبل تجربة الكسر، خصوصا في هذه الفترة.
وأخيرا.. أن نؤمن بالتوفيق والبركة تأتي من الإله الراعي .. عندما نستدل بضوئه، ونخلص له العمل والنية. بُني وجداننا على أن البركة تـُمحق بالفساد والمكابرة والأنانية والحنث، وأن البركة تتضاعف في الاجتهاد والجد ونصاعة العمل.
.. وفي النهاية لا يسود إلا الوجدان!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي