المارد خرج من القمقم ولن يعود إليه
هذه الجملة التي قالتها إحدى الحاضرات في آخر جلسة في منتدى مركز السيدة خديجة بنت خويلد يوم الثلاثاء الماضي 20 آذار (مارس) 2007 م في فندق هيلتون جدة.
وقصدها - كما فهمت - المرأة السعودية، وان كانت تقصد بها المدح، فأنا لست معها في هذا التشبيه أبداً، فالمرأة السعودية ليست بمارد ولن تكون، ولم تكن يوماً في قمقم ولن تكون كذلك إن شاء الله.
ولكن للأسف هذا ما يشعر به فعلا بعض النساء بسبب القهر والظلم والمعاناة كأنهن في قمقم، ولديهن مشاعر وأحاسيس وطموحات وأفكار مثل المارد الراغب في الانطلاق بقوة من سجنه مئات السنين.
هذا المنتدى جميل بكل مقاييس الجمال الأنثوي، فالقائد امرأة وفريق العمل نساء والحضور نساء وأوراق العمل من النساء، وشارك الرجل - جزاه الله خيراً - في نجاحه، الرجل الداعم لزوجته وابنته وأخته وكل نساء أهله من حضور ومحاورين ومتخصصين، وكل رجل أوصل زوجته بسيارته وكل أب دفع لابنته تكاليف الحضور، وكل من وقف خلف ومع كل امرأة حضرت وشاركت وعملت وساهمت في هذا المنتدى.
فلولا الرجل السعودي المحب والواعي ودعمه، لما تمكنت المرأة السعودية من الوصول وتحقيق هذا النجاح. وهذه خصال المرأة الفطرية التي حباها الله بها وهي طلب المساعدة بكل بساطة والقبول بها والاستمتاع بالنجاح كجماعة وبشر لا يوجد أي تعقيد في الموضوع.
فليت الرجل السعودي المحب والواعي وغير الواعي يسمح للمرأة بمشاركته ودعمه كي يحقق النجاح.
فلقد أثبتت التجارب الواقعية أن في المشاركة اتحاداً وقوة، ويستطيع الرجل السعودي الاستناد إلى مشاركة المرأة في كل شيء وأولها إقامة وتنفيذ المناسبة المحلية والدولية لتحقيق الإنجاز الذي نحلم به جميعاً، وهو تنمية البشر لتنمية الوطن لمستقبل مشرق لأبنائنا إن شاء الله.
وهذا المنتدى جميل لأنه يتضمن كل شيء تقريبا ودور المرأة فيه وتأثيره في المرأة، الدين والتاريخ والفن والعالمية والمحلية والقوانين والتشريعات والتعليم والتدريب والاقتصاد والاستثمار والمسؤولية الاجتماعية والفقر. أرقام وريالات وسنوات وتحليلات ودراسات واقتراحات وتوصيات.
وتمت مناقشة جميع المحاور وطرحت أوراق عديدة متنوعة في مجملها جيدة وممتازة وبعضها قصيرة للأسف، وطرح بعض المداخلات الرجالية الجميلة جدا التي تدل على المشاركة الوجدانية العميقة للمرأة في مسيرتها التنموية. وطرحت أسئلة عميقة من الشابات وأمل المستقبل، واستفسارات من سيدات من مختلف الفئات والاتجاهات والانتماءات المتعطشات للمعرفة والتواصل وسماع صوتهن ينطلق بأفكارهن وتجاربهن وأمنياتهن.
حوار جميل وهادئ وراق، كما قالت لي صديقتي بسمة، بعد هذا المنتدى أشعر أنني أستطيع الاستمرار في التغلب على تحديات المستقبل لمدة ستة أشهر قادمة، فأنا أشعر بإنسانيتي الآن. كلماتها عبّرت عما بداخلي وبداخل كل امرأة حضرت، الشعور بالإنسانية هو أحد أهم الدوافع للإنجاز والتنمية، وأهم سبب لتطبيق المواطنة الحقيقية والرغبة في المشاركة في التطوير ومساعدة الغير.
وبغض النظر عما حققه هذا المنتدى، وهل سيتم الأخذ وتطبيق توصياته أم لا؟ (إن شاء الله تطبق)، فالمهم - من وجهة نظري - هو أننا شعرنا بطعم السعادة والنشوى لأنه تم وخرج للنور وحقق أهم هدف، وهو جعل المرأة تشعر بإنسانيتها وكيانها وتسمع صوت فكرها وقلبها وعقلها أمام غيرها من النساء ومن الرجال المهتمين.
فهذه تحية شكر وتقدير واحترام لفريق العمل من النساء والرجال الذين شاركوا قي إقامة هذا المنتدى كي يخرج بهذه الصورة الجميلة، ولم ينقص هذا المنتدى الجميل سوى الاعتراف بالجميل.
من وجهة نظري الخاصة كان ينقصه الاعتراف بالجميل وتكريم سيدتين أذكر جيداً كما يذكر غيري أن هاتين السيدتين هما من أسس مركز السيدة خديجة بنت خويلد منذ أن كان مجرد فكرة، فالأستاذة فاتن بندقجي أول سيدة سعودية أسست لبنة مركز سيدات الأعمال في غرفة جدة، ويعود لها كل الفضل في اختيار جميع سيدات الأعمال الموجودات الآن في الساحة، كما قامت بتأسيس مجلس الأمناء وإدارته لفترة من الزمن وما زلت أذكر اتصالها بي كل ليلة أيام مخاض ولادة مركز سيدات الأعمال في الغرفة التجارية في جدة، نتشاور في الأسماء المقترحة لمجلس الأمناء من سيدات الأعمال منذ أربع سنوات، شاركتني يومها في رؤية للمستقبل تراها وهي فرحة مستبشرة بدور المرأة الجديد، وعاصرت جهودها ومعاناتها وحروبها الصغيرة لإنشاء أول مركز لسيدات الأعمال في المملكة العربية السعودية، ولقد أثبتت هذه السيدة تفانيها وجديتها وإخلاصها وإتقانها في العمل.
والسيدة الثانية هي الدكتورة نادية باعشن مؤسسة مركز السيدة خديجة بنت خويلد وأول مديرة له، والتي شاركتها أيضاً عدة مرات في برامج لتنمية المرأة السعودية في المركز، وكانت لديها رؤية كبيرة لصورة جميلة لمستقبل المركز ترسمها بخطط تصوغها بكلمات معبرة تجعلنا كأننا نراها حقيقة أمام أعيننا.
والتكريم لأفضل 20 سيدة أعمال سعودية كان سابقة ممتازة تحسب للقائمين على مركز السيدة خديجة وفريق عمل المنتدى. وكانت الصورة ستصبح أجمل وأكمل لو تم تكريم كل من كن لهن الفضل في ولادة هذا المركز. (لم أستشرهن في هذه الفكرة أبداً).
وهاتان السيدتان تستحقان التكريم، ليس فقط لأني رأيت بنفسي وعاصرت جهودهما، بل أيضا لأنهما كانت تحلمان مثلنا جميعاً بمثل هذا النجاح واستحقتا المشاركة والتكريم لأنهما من زرعا البذرة.
وهذه دعوة لكل جهة في كل قطاع في وطننا الغالي .. مَنْ شكر الناس شكره الله أمام ملائكته وخلقه.
والله وراء القصد.
مستشارة إدارية واقتصادية