هـَيـِّن!

[email protected]

هذا ما رواه لي صديقي المقرب جدا، وهو أهل للثقة، إن كانت شهادتي كذلك، قال:

.. أمي تحب وتصر أن تتسوق بنفسها، وبالذات شراء الخضار والفاكهة، ربما أنها تجد متعة بذلك، أو ليقينها أنها هي التي تعرف نوع الخضار الجيد والصالح وأن الآخرين (نحن ومن حولنا) لا يعرفون كيف يجب أن تكون معرفة الثمار.
المهم أني دخلت صالة المنزل وإذا خالتي تقول:
والدتك ذهبت للتسوق، الله يهديها، الله لا يشغلنا إلا بطاعته، ما الذي يحدّها للذهاب للتسوق واليوم الدنيا زحمة؟
وما كدت أتساوى بجانب خالتي والمدفأة الضخمة تحت قدميها، حتى أتت زوجتي والتصقت بالمدفأة .. في هذه اللحظة تماما، دخلت والدتي وهي تعبة، وعليها سيماء الخيبة والاحتجاج العظيمين:
خالتي: الحمد لله على السلامة، أين الخضار؟
أمي: سوق الخضار ضربه جنونُ الأسعار. صندوق الطماطم الذي كنا نأخذه بخمسة ريالات اليوم بخمسة وعشرين ريالا.. ما هذا الجنون؟
خالتي: وما الداعي لهذا الطمع، لِمَ يرفعون السعر إلى هذه الدرجة، ألا يخافون الله؟
زوجتي: بل إنه تقصيرنا نحن، فالفلاحون وأصحاب المزارع السعوديون صاروا يعتمدون على العمال الأجانب، وبالتالي انخفضت قيمة عطاء الأرض الزراعية..
أمي: ولكني سألت أصحاب البسطات ومنهم من لديه مزارع وقالوا إن المشكلة هي نقص العمالة، وإن العمال يذهبون ثم لا تعطيهم الحكومة تأشيرات عمل جديدة"، هنا يتوقف صديقي ليرفع حاجبيه ويضع إصبعه تحت ذقنه ليؤكد لي متابعا: "لا بد أن أوضح هنا أن والدتي وخالتي لا تقصدان كل الحكومة، فأرجو ألا يقلق بقية الوزراء، خصوصا وأن لا علاقة لأمي ولا لخالتي بأي قرار يخص التشكيلات الوزارية، إنما المعنيتان هما وزارة العمل وربما وزارة الزراعة، وكي أكون دقيقا أظن أنه من الحكمة أن أرجع لخالتي وأمي للاستزادة في هذا الموضوع".
.. ثم يتابع معي نقله للحوار:
زوجتي: لا يا خالتي ، أظن أنه تقصير أصحاب المزارع الوطنيين، فلو اعتمدوا على أنفسهم ولم يتهاونوا ويتركوا كل شيء في أيادي وتصرف العمال لما ساء إنتاج الأرض الزراعية، ثم ارتفعت الأسعار هكذا..
حاولتُ أن أتدخل لأقول شيئا ولكن النقاش كان محتدما ولم أجد الفرصة للدخول في ساحة النقاش، ثم إن هذه اللثة البغيضة المتضخمة تتشقق ألما وتجعل الكلام أمرا بالغ العذاب.. فبلعت الاثنين: لساني وألمي .. وفي خاطري أشياء.
والدتي: طيب، لماذا أعطوهم وعوّدوهم على العمال كل هذه السنين ولما صار الاعتماد عليهم في التوسع رئيسيا، منعوا عنهم العمالة فجأة؟
زوجتي: لقد قرأت تقريرا في جريدة "اليوم" يحدد أن المسألة كلها وراء تقاعس أصحاب المزارع واعتمادهم على العامل الآسيوي بالذات، وأن منع العمال عنهم سيعالج المشكلة من أساسها ، وسيحث أصحاب المزارع على مباشرة أعمالهم بأنفسهم وباليد الخبيرة التي كانت موجودة وما زالت..
كدت أقول لزوجتي وهل تقارير الجرائد يُعتـَمد عليها في بناء الرأي الأكيد، لولا أن خالتي الحاسمة الرأي، جاءت كالمنقذ لتقول:
- (هيّن) .. مفردة قصيمية تعني ما عليك .. كلام الجرايد كثير، مثل كلام المجالس خذي وخلي..
زوجتي: لا، هذا تقرير معتمد من جهة مختصة قامت بدراسة ميدانية، وليس مجرد كلام من الجريدة..
خالتي: أليس مكتوبا في الجريدة؟
زوجتي: بلى..
خالتي: هيّن!
أمي: ولكن كيف فجأة انفلتت الأسعار متضاعفة هكذا؟ كيف سيأكل قليلو الدخل، لقد أصبحت الطماطم أغلى من سعر الكيوي النيوزلندي (الوالدة تستعرض معلوماتها..)
ثم التفتـَتْ أمي إلي، فاعتدلتُ وارتفع الألم صارخا في أنسجة لثتي:
أمي: ألم تكتب أن وزير المالية رجل يفهم وخبير وشرح للناس بصراحة عن التضخم .. كم قال؟ (ملاحظة: يبدو أن صديقي كاتب أيضا.. يا للصدفة!).
رددت على أمي قائلا، ولثتي قد تضخمت هي الأخرى: أظن ما تعدى التضخم مثل ما قيل رسميا الـ 3 في المائة..
أمي: طيب قل لي: هل أُرسِلَ "رسمياً" ناس يشترون من سوق الخضار؟
.. ثم أشرتُ إلى أمي بأن ألم لثتي يمنعني عن الكلام!

ولما انتهى صديقي العزيز من روايته، صمت، ثم وضع يده على لثته.. المتضخمة!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي