بين التشغيل الذاتي والتشغيل التعاقدي للمستشفيات .. الطبيب الإداري في كفة الميزان (1 من 2)

[email protected]

بادئ ذي بدء علينا الاتفاق أننا لا نبحث عن حلول لها الإيجابية المطلقة، لأن الحكيم ليس من يختار الخيار الصحيح من القرار الخطأ ولكنه الذي يعلم أعلى المصلحتين ويأخذ بأعلاهما، ويعلم بأقل الضررين ويأخذ بأقلهما. فهناك خيارات وقرارات حرجة مبنية على المصلحة النسبية وليس المصلحة المطلقة وهي المواقف التي تميز حكماء الإدارة من غيرهم، بل تميز الحكماء على وجه الإطلاق.
لعل الاتفاق على هذا المبدأ يساعد كثيرا لتحقيق نظرة تكاملية حول قضية تم التطرق لها من وجهات نظر مختلفة. كما أن علينا التفريق بين صحة المبدأ ونجاح التطبيق لأنه في أحيان كثيرة يكون فشل التجربة بسبب فشل المنفذ أو طريقة التنفيذ. فمتى وجد منفذ حكيم كان بإمكانه تحويل هذا النوع من الفشل إلى نجاح. ولعل الفشل الجزئي لتجربة التشغيل الذاتي لمستشفيات وزارة الصحة خير مثال لهذا النوع من الفشل. فسوء التطبيق الذي صاحب تنفيذ تجربة التشغيل الذاتي هو المسمار الذي يحاول أن يدق في نعش تجربة التشغيل الذاتي.
للأسف أن معظم مديري مستشفيات وزارة الصحة أطباء لا يعرفون من الإدارة إلا اسمها وبالتالي يتعلمون إدارة المستشفيات عبر تخبط إداري موسع. فمن الغريب أن تستثمر وزارة الصحة بشكل مشكور في تأهيل الأطباء لنيل أعلى الشهادات التخصصية لكن استثمارها في تأهيل القادة الإداريين - حتى وإن كانوا أطباء - محدود. لذا فإنني أتمنى أن يكون لدى مديري المستشفيات العلم الإداري من أجل المشاركة في إنجاح برامج التشغيل الذاتي. فسياسة الطبيب الإداري دون حصوله على مؤهلات إدارية حقيقة أحد أهم أسباب عدم نجاح التشغيل الذاتي لدى وزارة الصحة. فسياسة الطبيب الإداري قادت إلى تخبطات إدارية ومالية عالية. فأصبح التعامل مع القضايا الإدارية على مستوى الحوادث وليس على مستوى القضايا. فمثلا المرض الإداري والتنظيمي أصبح التعامل معه بالمسكنات من أجل تخفيف وطأته وليس بالبحث عن حلول تجتث المشكلات من جذورها، فللأسف أن "حلول اليوم مشكلات المستقبل" مما قاد وزارة الصحة للدخول في دوامة من المشكلات نظرا لاتباعها سياسة الترقيع.
في هذا السياق فإنني أتساءل: لماذا يتم تكليف الأطباء بإدارة المستشفيات، علما بأن الوزارة تعاني هروب الأطباء إلى القطاع الخاص؟ كما تعاني الوزارة تدني نسبة عدد الأطباء السعوديين العاملين في مستشفيات وزارة الصحة والتي تقدر بحدود 20 في المائة فقط!!
إنني أسأل معالي وزير الصحة: كم يكلفنا تأهيل الطبيب السعودي؟ وهل عمله في المجال الإداري يحقق الاستفادة العظمى من ذلك الطبيب؟ وهل إدارة المستشفيات تستخدم كنوع من "الهدية" أو النصب التذكاري للطبيب المميز؟
إن محدودية عدد الأطباء السعوديين في مستشفيات وزارة الصحة تقتضي منا الاستفادة منهم إكلينيكيا، لكننا للأسف الشديد وفي حالات كثيرة خسرنا أطباء متميزين في تخصصاتهم من أجل إشغالهم بمتابعة الأقسام التشغيلية. فشغلنا الطبيب بقضايا ليس له دراية بها ولا كيفية التعامل معها. فنحن بهذه السياسة خسرنا أطباء مميزين، كما أننا لم نستثمر مواردنا البشرية والمالية بالشكل الأمثل.
بطبيعة الحال لا يعني كلامي أن دور الطبيب ينحصر داخل العيادة فقط لأن هناك قضايا حرجة ومهمة والطبيب وحده من يستطيع القيام بها. فمثلا المدير الطبي لا بد أن يكون طبيبا نظرا لطبيعة عمله التي تتطلب منه أن يكون لديه الخلفية الطبية الموسعة. فلا شك أن الطبيب أولى من يتابع القضايا الإكلينيكية والطبيبة. فمرجعية الأطباء إكلينيكيا لا بد أن تكون مرجعية طبية.
عند المتابعة الاستقرائية نجد أن سنة تعيين الطبيب الإداري لم تبدأ إلا قبل قرابة عقد من الزمان فقط وهي سنة قادها معالي وزير الصحة السابق الدكتور أسامة شبكشي "سامحه الله". السؤال الذي يبقى ملحا: هل حقق هذا التوجه تقدما لخدماتنا الصحية بعد عشر سنوات من تطبيقه، أم أننا غالبا ما نكون فقدنا أطباء ولم نكسب إداريين؟ وهل قل أم زاد تذمر المواطنين من سوء الخدمات الصحية بعد أن أديرت المستشفيات من قبل الأطباء؟
في الجانب المعاكس نجد أن المتابعة الاستقرائية للقطاع الصحي الخاص، تخبرنا أن القطاع الصحي الخاص غالبا ما يدار من قبل إداريين وليس أطباء. من المعلوم أن القطاع الصحي الخاص لا يجامل في تعييناته، بل ينظر إلى زيادة الربحية مع الجودة من أجل ضمان القدرة التنافسية مع القطاعات الصحية الأخرى. إذاً لماذا يستمر ويستثمر القطاع الصحي الخاص في تعيين الإداريين إذا لم تكن نتائج تعيينهم إيجابية؟
سؤال يبحث عن إيجابية من القائمين على وزارة الصحة!

وللحديث بقية..

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي