السوق الإسلامية للسلع الاستراتيجية ومدى إسهامها في تنمية الصادرات السعودية

أعلنت السعودية الإثنين 22 شوال 1427 هـ الموافق 14/11/2006 ("الاقتصادية" العدد 4782 في 23 شوال 1427هـ) عن خطوة إضافية تندرج ضمن الخطوات الإيجابية التي تحققت من خلال الانفتاح الاقتصادي الذي تعيشه البلاد تزامنا مع انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية, وهي تأسيس سوق إسلامية للسلع الاستراتيجية في مدينة الرياض, التي من المتوقع أن يكون من بينها النفط والمعادن كالنحاس والمنتجات الزراعية كالقمح والشعير والسكر وغيرها من السلع الاستراتيجية, حيث سيكون إنشاء هذه السوق دعامة مهمة للاقتصاد الوطني بشكل عام وللمعاملات المالية المتوائمة مع أحكام الشريعة الإسلامية بشكل خاص.
والحقيقة إن إنشاء هذه السوق يمكن أن يحقق عددا من الأهداف الاستراتيجية للاقتصاد الوطني أهمها: زيادة الصادرات من السلع المنتجة محلياَ, تسهيل عمليات تبادل السلع, رفع كفاءة التمويل وفاعليته المتوافقة مع الضوابط الشرعية, وتوفير عدد كبير من فرص العمل.
وفيما يتعلق بقضية تنمية الصادرات فإنها تعد من أهم القضايا المحركة للتنمية الاقتصادية في جميع الدول النامية والمتقدمة. وتزداد أهمية هذه القضية بعد انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية, حيث من المتوقع أن تترتب على هذا الانضمام زيادة حدة المنافسة بين السلع والمنتجات المحلية والأجنبية, سواء فيما يتعلق بالجودة أو في الأسعار, وهذا يتطلب توجيه مزيد من الجهد نحو تنمية الصناعات المحلية وتوجيهها لسد حاجة السوق المحلية أولاً ثم الانتقال إلى آفاق الأسواق العالمية للمنافسة فيها, بما يؤدي إلى زيادة الدخل الوطني.
إذ يتحدد معدل نمو الدخل الوطني في الدول النامية بالدرجة الأولى بقدرتها على استيراد سلع التنمية الأساسية التي تعرف لدى الاقتصاديين باسم واردات المدخلات, والتي تتوقف على القدرة التصديرية للدولة, وهي تعتمد على حجم كل من الإنتاج والاستهلاك العام والخاص. وعلى ذلك فإن معدل نمو الدخل القومي لأية دولة نامية (وهو ما يعرف أيضاً بمعدل تكوين رأس المال) يتوقف في التحليل النهائي على مدى قدرتها على استيراد السلع اللازمة لعمليات التنمية التي لا يمكن للتكوين الرأسمالي أن يتحقق أصلاً في غيابها. ومن ثم يشترط لزيادة وتنويع الفائض المعد للتصدير بالقدر الذي يسمح بتنمية قدرة الدولة على استيراد سلع التنمية أن يتوافر شرطان: هما: تنويع الإنتاج الوطني وتوسيع قاعدته وتنظيم الاستهلاك المحلي.
ومن المعلوم أن الصادرات السعودية نوعان: صادرات نفطية وصادرات غير نفطية. وما زال إسهام النوع الثاني في الناتج المحلي الإجمالي متواضعا, وذلك مقارنة بقيمة الصادرات النفطية. لهذا فإن المرحلة المقبلة تتطلب العمل على تنمية الصادرات غير النفطية وتنشيطها؛ وذلك بوضع استراتيجية وطنية لتنمية الصادرات في الأجلين القصير والطويل عن طريق حث الطلب الكلي في اقتصادات الدول التي تمتلك أجهزة إنتاجية مرنة من خلال مجموعة من السياسات التسويقية التي تهدف إلى تصحيح التشوهات السعرية في السلع المراد تصديرها ومحاولة ملاءمتها مع الأسعار العالمية, وإجراء الدراسات الواقعية للأسواق العالمية التي يمكن من خلالها اختيار الأسواق التصديرية التي تتناسب مع مستويات الإنتاج بما يُمكن من استغلال الطاقات العاطلة والاستفادة من مميزات الإنتاج الكبير.
ونرى أن من أهم العوامل التي يمكن أن تساعد على نجاح السوق الإسلامية للسلع الاستراتيجية في تحقيق أهدافها المتعلقة بتنمية الصادرات في السعودية:
ـ التوسع في تطبيق نظم وبرامج تحرير الواردات, إذ إن هذا من شأنه أن يساعد على زيادة حدة المنافسة بين المشاريع الاستثمارية, مما يدفعها إلى تحسين مستوى الجودة وتخفيض نفقات الإنتاج والاستخدام الكفء للموارد الاقتصادية وتخصيصها بين فروع الإنتاج المختلفة طبقاً لقاعدة الميزة النسبية أو المقارنة. ذلك أن القيود على الواردات والعملة المقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية تُعد حجر عثرة في وجه الجهود الرامية إلى التنمية الاقتصادية ذات التوجه الخارجي.
ـ الاهتمام بالسياسة النقدية والائتمانية؛ خاصة فيما يتعلق بسعر صرف الريال السعودي في مواجهة العملات الأجنبية, حيث إن سعر صرف العملة الوطنية يعتبر الأداة الرئيسة التي ترتكز عليها السياسة النقدية.
ـ تشجيع المدخرات المالية عن طريق حماية البنوك وتنظيمها وتأسيس بنوك جديدة والسماح للبنوك الأجنبية بممارسة أعمالها في البلاد من خلال إنشاء فروع لها, والتوسع في إنشاء بنوك للتنمية ومؤسسات متخصصة لتوفير المال اللازم للمشاريع الصناعية متوسطة وصغيرة الحجم في كل قطاع من القطاعات الاقتصادية الرئيسة في البلاد.
ـ تشجيع السوق المالية (أسواق الأسهم والسندات) لكي تزيد من عمق القطاع المالي وفاعليته, ومعالجة التقلبات التي تعرضت لها في الآونة الأخيرة.
ـ تشجيع الاستثمار الخاص على إنشاء مشاريع استثمارية توجه منتجاتها للتصدير, وذلك بوضع مجموعة من السياسات الهادفة إلى حل مشكلات التنسيق التي تشكل أهم العوائق أمام حركة الاستثمار, سواء كانت تتعلق بأسواق المعلومات أو بأسواق المشاركة في المخاطر, وهذا يتطلب تشجيع عمليات الاندماج بين الشركات لإنشاء كيانات كبرى قادرة على التصنيع.
ـ ترشيد السياسات الضريبية الهادفة إلى تشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي, ومواجهة تهرب بعض الممولين منها بما يكفل زيادة أرباح الشركات العاملة في مجال التصنيع بصفة عامة, وتقرير إعفاءات ضريبية للمشاريع التي تتجه نحو الصناعات التصديرية وتحقق إنتاجاً متميزاً وتسهم في تنمية الصادرات بصفة خاصة.
ـ خفض أسعار السلع الرأسمالية, مثل الآلات والمعدات اللازمة للتصنيع, لتسهيل قيام المشاريع الاستثمارية التي توجه للتصدير.
ـ وضع آليات للتأمين على الصادرات ضد المخاطر التجارية وغير التجارية, من خلال نظم التأمين على الصادرات المعروفة عالمياَ.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي