(غش تجاري على المكشوف) .. من المسؤول؟

[email protected]

أصبحت قضية ضبط السلع المغشوشة أو المقلدة، التي تباع في الأسواق المحلية، تشكل هاجساً وقلقاً كبيرين بالنسبة للأجهزة الحكومية المعنية في السعودية، كوزارة التجارة والصناعة والمؤسسة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس، ولا سيما أنها تكلف الاقتصاد السعودي أكثر من 11 مليار ريال سنوياً.
على الرغم من الجهود الكبيرة، التي تبذلها الحكومة في سبيل ضمان خلو الأسواق من ذلك النوع من السلع، إلا أن أسواقنا المحلية، وللأسف الشديد، لا تزال تعج بالغث والسمين، وفقما كشفه تقرير نشرته جريدة "الرياض" في العدد 14110، الذي رصد وكشف النقاب عن العديد من الممارسات والتجاوزات الخاطئة في سوق البطحاء في مدينة الرياض، المرتبطة ببيع سلع مقلدة ومغشوشة في وضح النهار دون رقيب أو حسيب، بقيادة وسيطرة العمالة الأجنبية، حيث قدر التقرير المذكور أن حجم مبيعات سوق البطحاء في منطقة الرياض قد يتجاوز الـ عشرة مليارات ريال سنوياً، موضحاً في هذا الخصوص، أن معظم السلع التي تباع في السوق، يأتي معظمها من الصين، اليابان، ماليزيا، والهند، وأن الأسعار تختلف بحسب الجودة والعلامة.
مشكلة انتشار ظاهرة السلع المغشوشة والمقلدة في بلادنا، سببها في المقام الأول ضعف التجهيزات البشرية والتقنية المتوافرة في أجهزة الرقابة في الدولة المعنية بالقيام بمهمة الرقابة الحثيثة على كل ما يباع في الأسواق من سلع وما يقدم فيها من خدمات، للتأكد من خلوها تماماً من الغش والتقليد التجاري، حيث لا يتجاوز عدد المراقبين العاملين في وزارة التجارة والصناعة في أحسن الحالات 200 شخص، الذين لا يمكنهم بأي حال من الأحوال فرض رقابة مشددة على جميع ما يباع في السوق من سلع، ولا سيما حين النظر والأخذ بعين الاعتبار، حجم النمو المطرد في عدد المراكز والأسواق التجارية في مناطق السعودية المختلفة من جهة، وتدفق السلع المستوردة إلى الأسواق، الذي أشبه ما يكون بالسيل الجارف من جهة أخرى.
من بين العوامل المحفزة على انتشار ظاهرة السلع المقلدة والمغشوشة في بلادنا، تفشي ظاهرة التستر التجاري في عدد كبير من الأسواق المحلية، إذ يعمل عدد كبير من الوافدين بالإتجار في السلع والخدمات باسم سعوديين، وقد أشار التقرير المذكور إلى انتشار العمالة السائبة في سوق البطحاء، التي تسرح وتمرح دون رقيب أو حسيب، على الرغم من جهود الدولة، التي لم تقف مكتوفة الأيدي بتسييرها الحملات الأمنية المختلفة، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود مخالفات أمنية واضحة كالاتجار بالصور والأفلام والبطاقات الخليعة، وكذلك بيع العاملة الوافدة للخضار والفواكة رغم سعودة المحال.
من بين العوامل أيضاً التي ساعدت على انتشار ظاهرة السلع المقلدة والمغشوشة في الأسواق المحلية، أن ذلك النوع من السلع يشهد قبولاً ورواجاً بين أغلبية الناس بسبب رخص الأسعار، وبالذات من قبل شرائح كبيرة من ذوي الدخل المحدود، الذين يجدون صعوبة بالغة في شراء السلع الأصلية أو العلامات المعروفة، بسبب ارتفاع أسعارها، كما أن الارتفاع الأخير الملحوظ في أسعار السلع والخدمات بسبب الضغوط التضخمية، أسهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار، مما ضاعف من رغبة ذوي الدخول المحدودة للتوجه نحو شراء السلع الرخيصة، بصرف النظر عن الجودة والنوعية، طالما أن أسعارها تتناسب مع مستوى دخولهم.
بطبيعة الحال إن إقبال ذوي الدخول المحدودة على شراء السلع المقلدة، أسهم بشكل كبير في المضاعفة من جشع عدد كبير من التجار، الذين يحققون من وراء بيع مثل ذلك النوع من السلع مكاسب وعوائد وأرباحاً كبيرة للغايةً، دون النظر إلى العواقب والسلبيات الوخيمة، التي تخلفها السلع المغشوشة أو المقلدة على المستهلك، التي أحياناً تتعدى التأثيرات الاقتصادية لتطول تأثيرات سلبية في الصحة وحياة الإنسان، كما أن ضعف الأحكام والعقوبات، التي تطبق في حق التجار المخالفين، أسهم إلى حد كبير في تمادي المتورطين في الغش والتقليد التجاري.
في رأيي أن الخروج من مأزق انتشار ظاهرة السلع المقلدة والمغشوشة في أسواقنا المحلية، والقضاء عليها تماماً، يتطلب اتباع الخطوات الوقائية التالية:
1- توفير الدعم البشري والفني لجهاز وزارة التجارة والصناعة، المعني بمراقبة الأسواق المحلية ومكافحة انتشار ظاهرة الغش التجاري، بما في ذلك توفير الأنظمة والأجهزة الرقابية الحديثة اللازمة، التي تساعد على كشف الغش التجاري، كالباركود وخلافه.
2- تغليظ العقوبات والجزاءات المالية والمعنوية في حق المخالفين لنظام مكافحة الغش التجاري، حيث إن العقوبات المفروضة لا تزال غير مناسبة لحجم الفعل.
3- السماح للقطاع الخاص، بالتوسع في إنشاء المراكز والمختبرات الخاصة بقياس الجودة والتأكد من نوعية السلع التي تباع في الأسواق، الأمر الذي سيخفف بدوره من العبء الملقى على عاتق الأجهزة الحكومية المعنية بقياس الجودة وكذلك المعنية بمكافحة الغش والتقليد التجاري.
4- توفير الدعم البشري والمادي اللازمين للمؤسسة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس، بما في ذلك مراكز الأبحاث، لتطوير المواصفات والمقاييس، بما في ذلك تطوير المنتجات بما يتماشى مع التطور الحاصل في المواصفات على المستويين المحلي والدولي.
5- الرفع من ثقافة ووعي المواطن بالأضرار والآثار الاقتصادية والصحية المترتبة عن شراء سلع مقلدة ومغشوشة.
في رأيي أن تطبيق مثل تلك الخطوات العملية وغيرها، سيساعد بشكل كبير على القضاء على ظاهرة انتشار السلع المقلدة والمغشوشة في أسواقنا المحلية، والذي بدوره سيعمل على جعل أسواقنا خالية بإذن الله تماما من ذلك النوع من السلع، لتصبح نظيفة وآمنة من الممارسات التجارية الخاطئة، لينعم المواطن والمقيم (المستهلك)، بشراء واستخدام سلع تتمتع بأقصى درجات الجودة وأفضل مستويات النوعية، وبالله التوفيق.

مستشار اقتصادي وخبير مصرفي
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي