(فـَيهْ نـَفـْسْ قِعـْسْ)

[email protected]

كثرة انتشار "موضة" المؤتمرات والندوات الاقتصادية العامة والخاصة والمتخصصة محلياً عبر الجزيرة العربية، يعكس الحاجة لتفعيل تلاقي المصالح، واقتناص الفرص وعرض الأفكار والمنتجات بأساليب "غريبة" ومبالغات "بالغة"، بما يتناسب مع حماس تصعيد الاستفادة من المبتكرات الاستهلاكية المتوافرة للعرض الشيِّق والإبداعات المقدمة ضمن تحوير وتطوير جاذب للثروات الطبيعية من جهة، وتعظيم الطلب الاستهلاكي المتزايد المدعوم بفوائض سيولة نقدية حقيقية ونقدية بنكية، بأكلاف مرتفعة "مقرطسة" ظاهرياً بما لا يتعارض مع "الممنوعات والمحظورات" وباطنياً "ملغومة" بأكلاف مهندسة في ظاهرها الرحمة واحتمال احتوائها لغبن مخفي. نشاط المؤتمرات والندوات ومختلف المغريات الراعية "هــلـَّت" على الحياة الاقتصادية المحلية منذ سنوات قريبة، وتوسعت لاعتبارات تسويقية، لترويج سلع وأفكار معظمها "غريبة" على الأطر المعيشية المتوارثة وإدخالها في حياتنا دون مراعاة لتأثيرات سالبة بيئية جانبية مجتمعية وأضرار صحية بدنية. معظم بنود موازنات الدولة السنوية إنفاقية استهلاكية لتحسين الأحوال المعيشية في النواحي الصحية والثقافية والتعليمية والزراعية والمياه.. إلخ. المنتديات والمؤتمرات المحلية تبدو وكأنها نقاط تجمعات "لالتقاط" الكبيبة من فوق وجه القدر لتعظيم مغالاة ترويج البضائع والسلع والأفكار الاستهلاكية من دون اهتمام ولا اعتبار لنتائج أضرار التوجهات المتفردة على نسيج الحياة و"المقومات المجتمعية والأضرار البيئية". التغيرات السالبة في نوعية الحياة خلال نصف قرن مضى من زيادة تعداد السكان وكثرة المتخلفين والهجرة الداخلية، إلى توسع الاستهلاك المتنوع والهدر الهائل للثروات المعيشية الطبيعية المتوافرة بما يفوق استعادتها، يخلق سلبيات بيئية وأضرارا اجتماعية يمكن للعارف أن يرى في تعويضها فرصاً اقتصادية تنموية جديدة ومجالات فكرية واسعة للإبداع الربحي للفرد المستثمر والعائد الطيب للاقتصاد الوطني وتوفير حلول محلية لمواجهة معاناة الوطن البيئية. متابعاتنا الرسمية والأهلية والخاصة روتينية عقيمة أولويات تعاملاتنا آنية أنانية.
صحوتنا بيئياً متخلـِّفة حتى عن كثير من مناطق الجوار. تحركنا التجاري لاقتناص مستجدات الفرص الرابحة من الأضرار والأوباء، والسير في الاتجاه الصحيح بطيء وبعيد عن العناية الزكية الصادقة بالبيئة بمنتجات وأفكار ملائمة للمطلوب. إتباع أساليب علمية صحيحة لمعالجات الأضرار التي نحدثها بيئياً مصدر واعد للربح التجاري، "يرمرم" كثيراً من التلفيات والعيوب في المدن والقرى. ضعف فطنتنا استشعار قانون "العرض والطلب" لقيام سوق سعودية محلية "لمداراة" سوء تصرفاتنا، وجهالتنا بالأضرار البيئية المحيطة بنا يضيِّع فرص استثمار قدراتنا وثرواتنا في الأمراض القائمة لتحسين الأوضاع المعيشية. تكاثرها دون العناية والاهتمام باحتوائها ينعكس في ظهور كثير من أمراض العصر المنتشرة حاليا في البلاد لأسباب بيئية من تلوث المياه والأمراض من كثرة البعوض والذباب وسوء التغذية والأكلات السريعة.. إلخ. "أفاد مركز البحرين للدراسات والأبحاث أنَّ الارتفاع السريع في مستويات المعيشة هو المسؤول عن تفشي البدانة. فقبل الثراء النفطي كان الخليجيون يأكلون عادة الخبز، والرز مع السمك والخضار والفواكه، وكان اللحم نادراً. ثم أخذ استهلاك السكر والدهون والأطعمة المصنعة يتصاعد". منظمة الصحة العالمية تفيد "أنَّ البدانة باتت مشكلة صحية رئيسية في السعودية خلال العقود الثلاثة الماضية، خصوصاً بين النساء". وأعلن وزير الصحة السعودي "أنَّ السعودية مقبلة على تحول مرض السكري إلى وباء يعم جميع مناطقها". واسترسل الوزير مضيفاً "إنَّ ما يقلق في مرض السكري حالياً هو انتشاره المخيف بين أفراد المجتمع بسبب العادات الغذائية وعدم ممارسة الرياضة". الأجهزة الحكومية إنفاقية من أجل الإنفاق وعاجزة عن تأمين كمال العلاج. الخاصة أنانية حباً للذات والأهلية لا تعطي ما تفتقده. المشكلة البيئية مشكلتان: نحن وأمراضها. إن صلح الأول صلح الثاني تلقائيا.
تجارة الاستيراد والصناعة المحلية الاستهلاكية تركض وراء نشاطات اقتصادية توفر الربح السريع وهذا حق لا غبار عليه. التجار والمستهلكون "يتجاكرون" في اتجاهات مضادة لمتعة الاستهلاك من جهة، والضرر البيئي من جهة أخرى في البيع والشراء بعيدين عن الانتقاء السليم لتوفير المطلبين بدراية واعية ومعرفية سليمة تحقق متعة التسوق بأقل قدر من الأضرار الجانبية للمواطن البائع والمشتري وأقل قدر من التلوث المجتمعي. مشكلة المدن والقرى السعودية أنها تواجه تحديات بيئية كبيرة وأضرارا عظيمة. الإنفاق الحكومي على النظافة البيئية كبير مقارنة بالنتائج المحققة والمناخ والصحة وتتولى مسؤولياته جهات حكومية رسمية متعددة دون ترابط ولا تواصل. تركيز البلديات على الاهتمام لتوفـُّر "حدث" التنظيف أكثر من الالتزام بتحقيقه: المراقبة ضعيفة الفاعلية، والتمويل دون احتياجات المهمة والطرق والأساليب المتبعة بدائية. المدن والقرى في قذارة أحجامها متفاوتة على مدار أيام السنة ونشاط فائق يغذي الأوبئة والأمراض. تصرفات المواطن تكاد تنبئ أنَّ مهمته بعثرة القازورات حول المرامي ليتلقفها غيره، وكأنَّ النظافة ليست من الإيمان. أهل المدن والقرى معيشتهم تطورت وحياتهم تقدمت ومطالبهم زادت. بيئياً تصرفاتهم لا تبالي بقذارة الشوارع والأزقة، ولا تأبه بتنظيم احتواء القاذورات ولا التعاون بين بعضهم البعض من جهة والتفاهم لمساندة الجهة المسؤولة لتذليل العقبات والمصاعب. روح "الفـُرجة" التي نحن عليها لن توفر نظافة مدنية مستدامة، ولا تؤثر في الجهات المعنية تقْييم الطرق والأساليب المتبعة في النظافة مقارنة مع المتوفرات من المعرفيات البيئية والآلية الحديثة للنظافة.
حضور الخمول الفكري والكسل الجسدي في مجتمعاتنا كبير لدرجة ولـَّدت التبلد في أجسامنا وعقولنا، حيث نقبل التعايش بالقاذورات ونروِّج في المؤتمرات لنشاطات وسلع تزيد منها دون تحوير وتدوير فكرنا، بحثاً عن فرص استثمارية ناجحة مستوحاة من المستنقع البيئي الذي وصلنا إليه. صناعة حماية البيئة للمدن والقرى توفر مجالات واسعة للعمل المبدع للقطاعات الأهلية والخاصة والرسمية. الفكر السعودي الحديث القائم على وفرة دخول الهبة الربانية والإنفاق دون مقارنة بين القيمة المدفوعة والفائدة المرجوة، فيه تبديد للثروة وضرر مجتمعي يلحق بالمواطن وتخريب يعطـِّل محاولات صيانة البيئة. لقد دقت ساعة العمل للربح من نتائج سلبيات أفعالنا.
البيئة صناعة خدمية متخصصة معظم أضرارها ناتجة من إفرازات الإنسان المواطن، واحتواؤها مرهون بمعرفياته وثقافته وعقيدته الآليات الرسمية إنفاقية تعطي منظرة جماهيرية بقدر متوفرات الأموال وطموحات التنظيمات المدنية أن نضيف لتدريب العمال تحت الإشراف الرسمي المنضبط بآمال وآمال. الاستفادة المادية من الاستثمار في المجالات البيئية واسعة وتساير الحياة التي يعيشها الإنسان. الامتحان يتطلب اكتساب ثقافة بيئية حقيقية تفتح الأذهان والعقول للوسائل والطرق لرفع المستوى البيئي وتطوير تجارة وصناعة منتجاته وازدهار الاقتصاد الوطني. الطرق البدائية المحلية في نظافة المدن والقرى وأساليب "التناقص" للأموال المعتمدة لتوفيرها يضرب سلباً في طموحات تنمية اقتصادية مزدهرة تستوعب عمالة وطنية عاطلة. فكر التنظيم المعرفي الحديث المطلوب لنظافة المدن والقرى يعني توفير الاعتمادات لاستثمارات طويلة الأمد في المعدات والموارد البشرية الوطنية وترقية أسماء الوظائف تمشياً مع الرواتب المقررة والرضا المجتمعي لاحتواء المواطنين العاملين. القاذورات ضارة وربما في استفحالها "منفعة" أن يكون الهدف تحقيق النظافة الكاملة بأساليب حديثة جاذبة للمواطن وقبول المجتمع للنشاط. تطوير فكر برامج التوعية الصحية لتعطي ثمارها، تحتاج كفاءات قادرة أن تحقق المعجزة بدلا من أن تكتفي برفع "بيارق" الاستسلام. السلام البيئي والعافية الدائمة لتنمية مستدامة "تغطي النسيج الإداري القديم" معرفيا.
المخاطر البيئية الخارجية عالمية. فهمها يتطلب مستوى ثقافي بيئي أحسن من المتوافر محلياً. الاهتمام بتحديات البيئة محلياً، يترتب عليه وعي تلقائي للمشاكل البيئية العالمية وإفرازات تعظـِّم من فرص الاستفادة ربحياً وتجنب أخطارها. القضايا البيئية العالمية مصدر إزعاج للشعوب قاطبة. قليل من النكبات البيئية المحلية ذات تأثير عالمي، وكثيرها عالمي تنعكس أضرارها محلياً. القضايا المرتبطة بالبيئة البحرية والشواطئ أضرارها يحدثها الإنسان المواطن محلياً وتأثيراتها عالمياً، لارتباط اليابسة بالبحار والمحيطات. ما يجري على شواطئ البحر الأحمر غربا بيئيا دون معرفتهم ولا علمنا يؤثر سلبا في شاطئي البحر مما قد يزيد حمرته، بقدر التعتيم البيئي للمتغيرات الطبيعية. شح المياه العذبة والتصحر وتغير المناخ تؤثر سلباً في تلبية احتياجاتنا الأساسية كالغذاء والمياه، وتكون دوماً وراء الإضرابات الناتجة عن التوترات القارية والصراعات الدولية. وزيرة الخارجية البريطانية ترى أنَّ "الصراع في دارفور له جذور عدة، لكن من بين هذه الجذور التغير في سقوط الأمطار الذي أدى إلى مفاقمة التنافس على الموارد بين القبائل الرُّحل رعاة قطعان البقر في المنطقة ومربي الأغنام والأبقار في المراعي المستقرين هناك. ومع اتساع الرقعة الصحراوية وانكماش مساحات الأراضي الخصبة يمكننا أن نشهد المزيد من الخلافات ضمن وعبر الحدود". وتسترسل الوزيرة في القول "وفي الشرق الأوسط يضطر 5 في المائة من سكان العالم يعيشون في تلك المنطقة إلى التنافس على 1 في المائة فقط من موارد المياه المتوافرة في العالم. وتغير المناخ يعني أن تكون المياه المتوافرة حتى أقل من ذلك، فالأنماط الحالية لتغير المناخ توحي بأنه مع حلول نهاية القرن الحالي سيصبح الجفاف الشديد على مستوى العالم نحو ثلث مساحة الأراضي. وهذا يمثل أضعاف المساحات التي تعاني من الجفاف في يومنا هذا. وستشهد السعودية وإيران والعراق أكبر انخفاض في معدلات سقوط الأمطار".
الأضرار البيئية المحلية مقدور عليها، حيث إنها من صنعنا وفي مقدور إرادتنا احتواؤها أو تخفيفها. الإخفاق في مواجهة التوجهات البيئية المركبة محلياً وعالمياً أضراره خطيرة مجتمعياً وتمتد عالمياً مثل إنفلونزا الطيور. الأضرار البيئية العالمية تلحق بنا وتهدد توجهاتنا الاقتصادية الاجتماعية بالفشل العالمي. الاهتمام البيئي داخلياً يقوي من قدرتنا على التأثير عالمياً لدفع الضرر عن حياتنا، وأخذ ريادة في المحافل الدولية لرفع القرارات السديدة. الاستثمار البيئي التطبيقي المتخصص، يصاحب تحسين طرق وأساليب توزيع حصص منافع المخصصات من دخول الموازنة، بحثاً عن تحقيق مردود في حياة اجتماعية رغدة واقتصاد مزدهر وفرص عمل مبتكرة ومهارات جديدة. المستثمر الغربي (جون دور) يعتبر أنَّ الاستجابة العالمية لتغير المناخ "أكبر فرصة اقتصادية في القرن الحالي". وزيرة الخارجية البريطانية، ترى أنَّ دخول البترول المرتفعة تتيح "الاستفادة من هذه الفرصة. فلدى هذه الدول رأس المال حالياً للاستثمار في تكنولوجيات المستقبل، وهذا يتيح لها فرصة تنويع مواردها الاقتصادية وتحفيز الابتكار ونمو المشاريع في المجتمع".
صلاح وأضرار البيئة مسؤولية فردية وجماعية محلية وعالمية. فهمها يتطلب ثقافة منزلية واعية وصالحة وتعليماً مدرسياً نافعاً وجامعياً مبدعاً. الأنانية الحياتية المحلية ضارة بيئياً ومعطلة للتقدم الاقتصادي الاجتماعي. مجالات العمل البيئي كثيرة، مما يتطلب ترتيب أولوياتها وفقاً للمصلحة الوطنية والقدرات المتوافرة والاعتمادات المخصصة في متابعة أمورها. التوسع الحضاري السريع عامل مباشر للأضرار البيئية الناتجة في البر والبحر. استمرار الأضرار البيئية يقوِّض المنافع الحضارية وينشر الأمراض. الاهتمام بالشواطئ والبحار السعودية مهم على امتدادها شرقاً وغرباً لمنع تعرضها للتلوث الكيماوي والحوادث والكوارث. الوعي للاهتمام بالبيئة متنام. ومشاركة المواطنين من خلال جمعيات مدنية متخصصة مع الأجهزة الرسمية حتمي. الإنفاق الرسمي على أبعاد المشكلة البيئية وأعماقها مرتبط بتوفير الأموال اللازمة للصرف الإنتاجي الرشيد، وفق الأهداف التي ترفع الأضرار القائمة وتقوي معرفيات المواطن محلياً وعالمياً، وتحقق تعاون الأهالي والخاصة والرسميين.
عالمياً السياسات البيئية تعكس مصالح الدول المتقدمة: حماية لتقدمها الاقتصادي، وتقليل الأضرار الاجتماعية، وحرصها تحميل الاقتصادات النامية مسؤوليات الانضباط البيئي لمصالحهم، الأمر الذي يفرض على الاقتصادات النامية تطوير معرفياتها البيئية وقدراتها للدفاع عن مصالحها وحقوقها. الاستقلال الفكري البيئي المحلي رافد قوي لاستيعاب التحديات البيئية العالمية. فهم المقترحات المقدمة ومعرفة معاني المصطلحات الحديثة المركبة يحقق الاطلاع والقراءة المستمرة. "معادلة القوة المتغيرة"، لمعالجة أطوار العالم الآتية بيئياً، ضمن الصراعات التي تتحكم في مشكلاتها قوى عتيقة تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقوى جديدة مثل الصين والهند والبرازيل.. إلخ. مخاطر تفرُّق القوى المتعدِّدة الاتجاهات وقراراتهم المتضاربة في تعطيل النفاذ، ستقلب العالم رأساً على عقب، لتدب الفوضى و"يصبح لكلٍ إيده". يرى فريد زكريا في "النيوز ويك الأمريكية": "الميدان يتقاذف لاعبوه المشكلات والمسؤوليات من غير تولي هذه ولا تلك، إلى أن تنفجر الأمور. القوى الجديدة المتوقعة لا تبعث سياساتها على التفاؤل". عراكنا بيئياً في الداخل مع القاذورات وثقافة النظافة من الإيمان، والتوعية الصحية والعلوم والثقافات المدرسية والجامعية، بطرق حديثة وأساليب تدفع بفوائد جانبية مضافة "صمام الأمان". عالمياً ضروري أن نتبيَّن مصالحنا ونعي الأضرار البيئية والتصارعية ونعرف الطريق للانضمام للفريق الذي يتضامن مع مصالحنا. التهميش العالمي لمقدراتنا وقدراتنا مسلسل مستمر لإضعاف جهودنا إذا تقاعسنا عن مزاحمة الرقي بمعرفياتنا عالمياً. والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي