المنظور الاقتصادي والبيئي لأخلاقيات استخدام المياه

منذ عشر سنوات مضت، وأثناء انعقاد المنتدى الدولي الأول للمياه في مدينة مراكش في المغرب عام 1997 تم تداول مصطلح أخلاقيات المياه Water Ethics كأحد أهم القضايا المؤثرة في أزمة المياه على النطاق العالمي خلال الـ 50 عاماً المقبلة، وأشار المدير العام لمنظمة اليونسكو في كلمته بالمنتدى بضرورة وضع استراتيجية لاستخدامات المياه تأخذ في اعتبارها مبدأي الاستدامة والاعتبارات الإنسانية في التعامل مع المياه، وأن هناك حاجة ماسة إلى وضع أسس جديدة لأخلاقيات استخدام المياه في ظل عالم غني يستهلك غالبية المياه الدولية لمصلحته بينما هناك الملايين من الشعوب الفقيرة التي مازالت تفتقر إلى مياه الشرب النظيفة والمأمونة التي غالباً ما تحصل عليها بأسعار مبالغ فيها لا تقدر على تحمل تكلفتها العالية.
ولقد أخذ موضوع أخلاقيات المياه وممارساتها أهمية خاصة في ورش العمل التي تمت في أعقاب المنتدى وكان ذلك مدار بحث من العديد من المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية غير الحكومية المعنية بشؤون المياه. واتفق الجميع على ضرورة وضع (أسلوب) أخلاقي للحفاظ على المياه والحد من هدرها. ولقد تكلل ذلك بإصدار اليونسكو كود (نظام) أخلاقيات المياه Code of Water Ethics وما تبع ذلك من إنشاء الشبكة الدولية للأبحاث وأخلاقيات المياه (رنوا) Global Research and Ethical Network Embracing Water (RENWA).، والتي تعمل في نطاق اللجنة الدولية لأخلاقيات العلوم والتقنية التابعة لمنظمة اليونسكو (الكومست). World Commission on Ethics of Science and Technology (COMEST).
ونتيجة للمجهودات التي بذلت من قبل المهتمين بهموم المياه وشؤونها من العلماء والخبراء فقد أقرت منظمة اليونسكو تأسيس ثلاثة مراكز إقليمية تابعة عام 2001م، لتكون كل منها نقطة انطلاق لبث مفهوم أخلاقيات المياه على المستوى الإقليمي. وتم اختيار المركز الأول في كانبرا في أستراليا بالتعاون مع الجامعة الأسترالية لتغطي منطقة جنوب شرق آسيا والباسفيك. والمركز الثاني في برجن بالنرويج بالتعاون مع مجلس المياه النرويجي لتغطية المنطقة الاسكندنافية وشمال البلطيق. أما المركز الثالث فقد تم اختياره في القاهرة والتعاون مع وزارة الموارد المائية والري لتغطية المنطقة العربية تحت اسم "المركز الإقليمي للأبحاث والدراسات عن أخلاقيات استخدام المياه". وترمي هذه المراكز الإقليمية إلى تفعيل أخلاقيات المياه وإدارة استخدامها بين الأطراف المعنية بأمور المياه من خلال وضع معايير ومؤشرات للأداء الأخلاقي المسؤول بحيث تصبح مراكز متميزة للتعليم، وتوليد المعرفة، والتفكير المبدع.
وجدير بالإشارة أن المركز الإقليمي لأخلاقيات المياه بالقاهرة نجح أخيرا – في آذار (مارس) 2006 – في تدشين الشبكة العربية لأخلاقيات المياه (انوا) Arab Network for Water Ethics (ANWE). وتم ذلك بالتنسيق مع منظمة اليونسكو وبالتعاون مع العديد من المنظمات الحكومية وغير الحكومية العربية ولفيف من الخبراء العرب المختصين. وتم اعتماد هذه الشبكة عضواً تحت مظلة المجلس العربي للمياه. وتكرس هذه الشبكة جهودها لمعالجة قضايا أخلاقيات المياه في الدول العربية ونشر المعرفة وتبادل الخبرات لأخلاقيات استخدام المياه تأخذ في الحسبان الجوانب المرتبطة بالاقتصاد والبيئة كافة.
ولكن يبقى دائماً السؤال: كيف يمكن أن تؤدي الممارسات المميزة لأخلاقيات المياه تحسين البيئة وزيادة المنفعة الاقتصادية؟
يدرك الجميع أن المياه هي الحياة، وأن الحصول عليها هو حق من حقوق الإنسان – متفق عليه من المنظمات الدولية كافة ـ ولا سبيل إلى ضمان تأصيل هذا الحق إلا من خلال الأخذ بالمبادئ الأخلاقية للتعامل مع المياه والتي أقرت في كود أخلاقيات المياه .. ومن أبرز تلك المبادئ:
*مبدأ الكرامة الإنسانية Human Dignity، الذي يعني ببساطة أنه لا حياة بلا مياه، ومن ثم تكون المحافظة على المياه في البيئة واجبا أخلاقيا Eco-Ethics لعنصر من أهم عناصر الأنظمة البيئية.
*مبدأ المشاركة Participation، فالمياه إرث مشترك للجميع وقسمة بين الناس يجب أن ينظر إليها على أنها سلعة ذات منفعة عامة غير محظورة، ومن ثم لا تُعد سلعة اقتصادية نمطية قابلة للمتاجرة أو الكسب.
*مبدأ التكافل Solidarity، الذي يراعي عدالة التوزيع وضمان حصول الجميع على المياه وخدماتها مع وضع الأولويات طبقاً للحقوق المكتسبة وتبعاً للأعراف والتقاليد الموروثة.
*مبدأ التوازن Stewardship، الذي يحدد أسلوب استخدام المياه طبقاً لمحاذير وخطوط إرشادية محددة لجميع المستهلكين وبخاصة في القطاعات الإنتاجية كالصناعة، بحيث يراعى أن تكون تغطية التكاليف الإنتاجية في حدود مقبولة ودون تأثير على غير القادرين.
*مبدأ المساواة الإنسانية Human Equality، الذي يأخذ في الحسبان التقيد بأدب الحوار والأخذ بعين الاعتبار بوجهات النظر المتباينة في حل النزاعات والمفاوضات على المياه ذات الحدود المشتركة.
خلاصة القول، إننا في منطقتنا العربية، التي تعاني ندرة في المياه، في أمس الحاجة إلى زيادة حصيلة المكون الأخلاقي للتعامل مع المياه ونشر ثقافة الالتزام بالمبادئ الأخلاقية التي ترسخ أخلاقيات المياه، بدلاً من البكاء على مستقبل المياه المسروق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي