العملة الخليجية الموحدة .. خيار لا بد منه

[email protected]

مجلس التعاون الخليجي من أنجح التكتلات في المنطقة، هذا المجلس بني في الأساس على الوحدة والتعاون المشترك على مختلف الأصعدة، كما جاء في موقع المجلس الإلكتروني "جاء إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1981م، تجسيداً لما بين الدول الأعضاء من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة، أساسـها وحدة التراث، والانتماء، والعقيدة، والمصالح المشتركة، واقتناعاً بأن التنسيق، والتعاون، والتكامل فيما بينها يخدم الأهداف السامية للأمة العربية"، ولقد حقق المجلس نجاحات لعل من أهمها الموقف الموحد تجاه غزو العراق للكويت – التي هي أحد الأعضاء – والذي أسهم في عودة الحق إلى أهله.
طبعا حديثنا في هذا المقال يتركز على العملة الخليجية الموحدة التي تعتبر مرحلة طبيعية في هذا الوقت كنتاج للنجاحات السابقة على المستويين السياسي، والأمني وغيرهما. وقبل الخوض في صلب الموضوع لا بد من الإشارة إلى قصة الورق النقدي.
من المعلوم أن الإنسان مدني بطبعه ويحتاج إلى غيره في تكامل حاجاته الضرورية والكمالية من المأكل والملبس والمسكن، ولا يستطيع الفرد تلبية جميع حاجاته بنفسه فقط، ومن هنا كان الإنسان الأول يعتمد في تبادلاته على ما يسمى المقايضة (barter) التي تعتمد في الأساس على التبادل المباشر للسلع والخدمات، فالمزارع يعطي القمح للراعي للحصول على الحليب مثلا أو اللحوم، ثم تطورت المسألة، حتى أن الإنسان بدأ يستخدم بعض المعادن النفيسة كالذهب والفضة كوسيط لتسهيل عملية التبادل، في حين أنه، في الصين مثلا، كما ذكر ابن بطوطة في رحلته كانوا يستخدمون الكاغد – وهو الجلود – كنقود للبيع والشراء، أما بالنسبة للتاريخ الإسلامي فقد كان للخليفة الثاني عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - كما جاء في بعض كتب التاريخ وجهة نظر في استخدام الجلود كعملة نقدية ولكن كان يخشى نفوق الإبل فعدل عن رأيه، إلا أن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان أصدر أول دينار إسلامي، ثم تطورت المسألة وبدأ العالم استخدام الورق النقدي، وذلك أنه أول ما بدأ استخدام الورق النقدي أو ما يسمى البنك نوت (banknote) في إيطاليا وبالتحديد فينيسيا أو ما تسمى البندقية، وذلك بعد أن بدأ الناس يثقون في الجهة المصدرة للنقد ، وليس القيمة الحقيقية للورق.
وبعد أن انتشر الورق النقدي انتشارا واسعاً في العالم الغربي، كان لا بد أن ينتقل إلى العالم العربي والإسلامي نتيجة للتعاملات التجارية بينها وبين الدول الغربية، التي بدأت تعتمد على الورق النقدي بشكل رئيسي بدلا من الذهب والفضة، بل تم تحرير الورق النقدي من الاتباط بالمعادن خصوصا الدولار بعد ثلاثينيات القرن الماضي، ولما بدأ الورق النقدي ينتشر في أوساط البلدان الإسلامية اختلف العلماء في البداية في توصيفه، وبالتالي في نظرة الشريعة الإسلامية إلى أحكامه، فمثلا من العلماء من قال بأن الورق النقدي عبارة عن عروض تجارة بمعنى أنه يأخذ أحكام الملابس مثلا فتجب الزكاة على من يتاجر فيه مثل المصارف لا من يستخدمه، ولا يجري فيه الربا، وهذا الاتجاه توسع كثيرا في حكم الورق النقدي، وهناك اتجاه آخر يرى أنه يعامل بحسب الغطاء المعدني له فإن كان مغطى بالذهب يعامل على أنه ذهب بمعنى أنه حينما يتم التبادل به مع عملة أخرى مغطاة بالذهب أيضا فلا بد أن تراعى قيمة النقد الحقيقية مع الذهب، وهذا لا شك لا يتناسب مع وضع النقد اليوم حيث تم تحريره من الذهب والفضة.
ثم استقر رأي الكثير من العلماء وعدد من المجامع الفقهية على أن الورق النقدي مستقل بذاته ويأخذ حكم الذهب والفضة وكل عملة مستقلة بذاتها كما أن الذهب مستقل عن الفضة، بمعنى أن في حالة ما إذا رغب شخص في صرف عملة نقدية بأخرى يجوز أن تكون عملة أغلى من عملة أخرى لكن لا بد أن يكون التبادل في وقت واحد أو كما هو في وصف النبي صلى الله عليه وسلم يدا بيد، فلا يجوز أن تعطي شخص 100 دولار اليوم على أساس أن يسدد لك 375 ريالاً غداً.
ولعل الحديث عن توحيد العملة الخليجية يتطلب الإشارة إلى التكتلات الاقتصادية الأبرز التي تمخض عنها استخدام عملة واحدة، فأبرز وأقدم تكتل في العصر الحاضر هو الولايات المتحدة الأمريكية التي تشمل اتحاد 50 دولة كلها تستخدم عملة واحدة وهي الدولار، ولا شك أن الدولار اليوم يشكل العملة رقم واحد في العالم حيث تعتبر العملة الوحيدة التي يقيم بها النفط، وكثير من السلع الأساسية تعتمد في تقييمها على الدولار أكثر من غيره من العملات.
ثم نعرج على التكتل المقابل وهو التكتل الأوروبي، الذي يستخدم اليورو كعملة موحدة لدول الاتحاد الأوروبي. لعله من الملاحظ بشكل واضح الأهمية والرواج الذي يشهده اليورو في العالم مقارنة بعملات دول الاتحاد الكبرى قبل توحيد العملة الحالية مثل فرنسا و ألمانيا فضلا عن الدول الأقل قدرة اقتصادية مثل إيرلندا وبلجيكا والبرتغال وغيرها.
لعله من أبرز إيجابيات إصدار العملة الخليجية الموحدة في المرحلة الأولى في عام 2010، هو أن تكون العملة أكثر رواجاً وأهمية، حيث ستستخدم في خمس دول مبدئيا – باستثناء عمان – بدلا من أن تكون كل دولة تستخدم عملة تخصها، يضاف إلى ذلك أنها تسهم في تسهيل التبادل التجاري بين هذه الدول الخمس سواء على المستوى الفردي أو التجاري، نتيجة لما يتطلبه التبادل التجاري من عمولات صرف النقود، وطول الإجراءات نتيجة للاختلاف في عملة كل دولة.
أما بالنسبة للسلبيات فهي الضوابط التي تنظم عملية توحيد العملة، التي كما جاءت في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 20/11/1427هـ الموافق 10/12/2006م "واتفقت الدول الست الأعضاء في المجلس على خمسة معايير لتحقيق وحدة اقتصادية على غرار المعمول بها في الاتحاد الأوروبي، من بينها ألا يتجاوز العجز في الميزانية 3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي والدين العام 60 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وألا يتجاوز معدل التضخم المتوسط في دول المجلس 2 في المائة (بالارتفاع أو الانخفاض). كما ينبغي ألا يزيد سعر الفائدة على متوسط أقل ثلاثة معدلات في الدول الأعضاء 2 في المائة (بالارتفاع أو الانخفاض), ويتعين أن تغطي احتياطيات النقد الأجنبي واردات أربعة إلى ستة أشهر".
فهذه المعايير تحد من المرونة التي يمكن أن تمارسها الدولة العضو في الاتحاد النقدي، إلا أنه على المدى البعيد سيكون ذلك إيجابيا حيث سيكون لها دور في تحقيق عملة قوية قادرة على الصمود في ظل المتغيرات الاقتصادية.
لعل المرحلة الأهم في عملية توحيد العملة الخليجية هي تعويم العملة في عام 2015م وهذا سيسهم في تحقيق ثبات للعملة في ظل تقلبات أسعار العملات في السوق، ولعلنا نعرج على التغير الحاصل في الدولار وأثره في العملات في المنطقة.
من المعلوم أن الدولار خلال خمس سنوات تقريبا خسر ما يقارب ثلث قيمته مقارنة بالعملات الرئيسية في العالم، وبالتالي أسهم في ارتفاع الأسعار للسلع المستوردة من غير الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 50 في المائة، وهذا طبعا كان له أثر إيجابي للولايات المتحدة، حيث أسهم في رخص السلع الأمريكية، وبالتالي زيادة الصادرات، ثم إن المستهلكين في أمريكا لا يحتاجون كثيرا إلى استيراد السلع من الخارج باستثناء بعض المواد الأولية مثل البترول.
ولكن ذلك انعكس بشكل سلبي على الدول التي تعتمد في تغطية عملتها على الدولار حيث أصبحت تعاني من نقص حقيقي في قيمة عملتها، وارتفاع سعر البترول مثلا لا يعني ارتفاعا في القيمة الحقيقية له، فقيمته اليوم بـ 60 دولار مثلا تعادل بالضبط 40 دولار قبل نحو خمس سنوات، ومع المحاولات اليائسة للبنك الفيدرالي لرفع سعر الفائدة، إلا أن ذلك لم يستطع أن يحقق أي ارتفاع لسعر الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى. وبالطبع الارتباط بأي عملة أخرى يعرض الدول الأعضاء للاحتمالات نفسها في المستقبل.
وبناء على ذلك فإن تعويم العملة الخليجية سيسهم في توازنها مقابل العملات الدولية الأخرى، إضافة إلى أنه سيسهم بشكل أكبر في مواجهة التغير في ميزان القوى الاقتصادية والسياسية الإقليمية والدولية.
وكون العملة قد تعاني من احتمالات خطورة أكبر بسبب ما قد يتم من مضاربات عليها سواء بغرض المتاجرة أو الإضرار بالدول الأعضاء، فكون هذه الدول تعتمد في صادراتها على سلعة رئيسية وهي البترول سوف يحد من أثر هذه المضاربات نتيجة لأن هذه السلعة وهي البترول ستكون هي الغطاء الرئيسي الحقيقي – في حينها للعملة – والذي يصعب على العالم الاستغناء عنه – والله أعلم - في المستقبل المتوسط والبعيد، بل إن حجم الطلب يتزايد في ظل عدم وجود سلعة منافسة، وفي ظل عدم وجود مخزونات في العالم منافسة لما هو موجود في منطقة الخليج بشكل عام والمملكة العربية السعودية بشكل خاص.
ويمكن أن يضاف إلى هذا وذاك أن الدول الأعضاء من الممكن أن يكون لديها احتياطيات من النقود الرئيسية إضافة إلى أنه يمكن التركيز على توفير احتياطيات أكبر من المعادن النفيسة، التي هي في الغالب لا تتأثر بالتضخم الذي يحصل عادة للنقود.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي