العقار الضحية القادمة!!

[email protected]

تشكو القنوات الاقتصادية في السعودية من ضعف عددها وإمكاناتها وقدرتها على استقطاب الاستثمارات والسيولة المتوافرة. وكما نعرف جميعاً أن السوق الاقتصادي والاستثماري لأغلبية مواطني المملكة هو السوق العقاري على أساس أنه سوق لا يتطلب أي نوع من المعرفة أو الاستثمار أو التسويق أو غيره من الأمور والمعارف الاقتصادية الحالية. ويغلب على العاملين فيه مفهوم أن الأرض لا تتطلب محاسبين ومراقبين وجيشا من العاملين وإنما تحتاج فقط إلى الهواء والشمس وتركها لسنوات عديدة ثم بيعها بربح معقول أو غير معقول، كما أن العرف العقاري عند الكثير منهم هو البيع والشراء في الأراضي الخام وهي غير المخططة أو قطع الأراضي المخططة، هذا البيع والشراء لغرض المضاربة المنضبطة بأخلاقيات وسلوك العاملين في سوق العقار. والمعروف لدى العديد منا أسر تملك أخلاقيات العمل العقاري المؤسسي، ويكفي منهم الالتزام الشفهي في إنهاء أي صفقة عقارية مهما بلغت تكاليفها وأرباحها، هذا السوق والذي يُعرف بسوق الأمان والطمأنينة مهما تعاقبت عليه الأيام حتى وأن كان سوقا عقاريا بدائي الملامح والتعاملات ولا يرقى إلى مفهوم السوق العقاري المنتِج.
إن هذا السوق وخلال العبث غير المبرر الذي تعرض له سوق الأسهم السعودي عاش فترة من الهدوء والحذر المتزن من مثل ذلك العبث وبقيت له أركانه ومعاملاته حتى وإن تعرض لبعض الهزات السعرية أو الطلب عليه إلا أنه حافظ على تماسكه واستقلاله وسلامته من الدخلاء الضارين به كما أضروا بسوق الأسهم، إلا أن المؤشرات الحالية تقول إن هؤلاء العابثين يستعدون اليوم للانتقال إليه والعبث فيه والوصول بأسعاره إلى أرقام قياسية خيالية ثم يتركونه عظما بلا لحم أو جلد كما فعلوا بسوق الأسهم.
إن سوق العقار السعودي على ما فيه من انضباط أخلاقي وسلوك راق من أهل بيوته وخبرته لا يوجد أي تنظيم مؤسسي يحميه ويقنن العمل فيه ويجعله في منأى عن عبث العابثين، ولهذا فإن النظرة المؤسسية الثاقبة يجب أن تتوجه منذ اليوم لمنع أي اختراق له أو لعب فيه.
إن المأساة التي عاشها ويعيشها سوق الأسهم السعودي وما حدث فيه من انتهاك لحقوق المواطنين وغياب الرؤية الواضحة لهيئته وكذلك تأخر وغياب اتخاذ القرارات الصارمة في حق من عبث به ـ رغم أنهم معروفون في الغالب لجميع من يعمل ويتابع ويشرف على السوق ـ إلا أن الأسباب التي منعت وتمنع الهيئة من اتخاذ الإجراءات الصارمة في حقهم عديدة مما دفع العديد منهم للاستمرار في ذلك وانضمام كوكبة أخرى من غيرهم لتأكيد عدم مبالاتهم بالأنظمة وحرصهم على أكل أموال الناس ظلماً وبهتانا مع علمهم أنهم يستطيعون كسب الأموال الطائلة من خلال العمل المؤسسي السليم دون الإضرار بحقوق الدولة أولا ومواطنيها ثانياً ولكن لأنهم أو أغلبهم ينطلقون في ذلك من مصالح خاصة بحتة وبعضهم تم استغلاله للإساءة لاقتصاد البلد وخيره.
إن سوق العقار السعودي إذا لم ننتبه له منذ اليوم فإننا سوف نعيش معه مرحلة مشابهة أو أسوأ مما رأيناه وعشناه مع سوق الأسهم السعودي بل إن سوق العقار السعودي سوف يكون وقعه الاقتصادي على الوطن ككل والمواطنين أكبر وأصعب، خصوصاً إذا علمنا حجم الاستثمارات والثقة التي يضعها الجميع في هذا السوق منذ عشرات السنين. والاتجاه بسوق العقار إلى المضاربة واللعب الاقتصادي سوف يقود البلد إلى مرحلة من الإفساد ذات آثار سلبية عالية على مستقبل التنمية والاستقرار الاجتماعي ولعل على قائمة هذه الآثار السلبية الاتجاه نحو الاعتداء على الأراضي الحكومية والخاصة، الأراضي الحكومية من خلال ادعاء التملك، هذه الأراضي سواءً كانت أراضي مخصصة للمرافق والخدمات أو أراضي مخصصة للمشاريع الاقتصادية أو أراضي للتوسعات المستقبلية ومتطلبات الأجيال المقبلة. كل هذه الأراضي سوف تكون عرضة للاعتداء والسرقة، هذا الاعتداء والسرقة سوف يصاحبهما العديد من الرشاوى والفساد في مختلف أروقة الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالأراضي وفي مختلف مستوياتها الإدارية المركزية والإقليمية والمحلية، كما أن الأراضي المملوكة ملكية خاصة سوف تتعرض هي الأُخرى لنوع جديد من الاعتداء عليها وادعاء ملكيتها وسوف يجد المعتدون من يساعدهم من أصحاب المصالح الخاصة في الأجهزة الحكومية وغيرها، ما يجعل جميع دوائرنا الحكومية القيادية والتشريعية والقضائية والتنفيذية مشغولة في محاربة هذا الوباء المقبل.
إن سوق العقار السعودي يحتاج إلى الانتباه له والتصدي لظاهرة الاعتداء عليه وتنشيف وامتصاص سيولته، هذا الاعتداء وامتصاص السيولة سوف يقفان عائقا في وجه التنمية الاقتصادية الحقيقية وستعطل كل مشاريع التنمية الاجتماعية والأمنية وغيرها وبما ينعكس سلباً على مستقبل البلاد والعباد. وأترككم مع أمل أن تكون الرسالة واضحة وصريحة والرؤية للمقبل مستعد لها من مختلف دوائر اتخاذ القرار وتنفيذه وألا نقول غداً بعد أن تقع الفأس في الرأس، لو عملنا كذا وكذا لكان خيرا، ولهذا دعونا نعمل الخير منذ اليوم ونتقدم ولو خطوة هذه المرة أمام العابثين ونمنعهم من العبث بمقدرات وخير البلاد وأبنائها، والله مـن وراء القصـد.

وقفة تأمل:

"ضحكتُ .. فقالوا: ألا تحتشم
- - - - بكيتُ.. فقالوا: ألا تبتســــــــم
بسمتُ.. فقالوا: يُرائي بها
- - - - عبستُ.. فقالوا: بدا ماكتم
صمتُ.. فقالوا: كليلُ اللسان
- - - - نطقت .. فقالوا: كثير الكلم
حلمت.. فقالوا: ضعيف ٌجبان
- - - - ولو كان مقتــــــــــــدراً لانتقم
بسلتُ.. فقالوا: لبطش به
- - - - ولو كان مجترئاً .. لحكم!
فأيقنت أني مهما.. أُرد
- - - - رضا الناس لا بـــــــــد من أن أّذم!! "

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي